كان المحور الدكتاتوري في المدة التي سبقت إعلان الحرب في سبتمبر في سنة ١٩٣٩، وفي المدة التي لحقت إعلانها لا يقوم على أساس مشترك في العمل بين طرفيه، أو تساو عادل في إبداء الرأي والقطع فيه، بل استقل بتوجيه المحور في أعماله وفي أفكاره طرف واحد دون الآخر؛ وتطور الأمر فيما يختص بأحدهما إلى احتلال المقدمة؛ وفيما يختص بثانيهما إلى الوقوف في المؤخرة؛ حتى أهمل أمره وهان شأنه في الكبيرة والصغيرة على السواء.
لقد حار الكل في تعليل الموقف في مظهره الجديد، وطارت الأفكار في تلمس المعاذير والأسباب كل مطار ومدار؛ فكثرت الاحتمالات، وتعددت الإشاعات، واجتهد القريب والغريب في الاستنتاج والاستخراج؛ ونشط الفهيم والعقيم في الإفصاح والإيضاح. إلا أن شيئاً واحداً انقطع دونه التفكير وجف عنده مداد التحبير، وهو أن يكون الضعف سبب الجمود، ونفاد الحيلة العلة الأصيلة في هذا الهبوط والقعود.
أليس من دلائل القوة أن يعمد الزعيم الإيطالي في كل مناسبة وغير مناسبة إلى الخطب الحماسية يلهب بها أعصاب سامعيه، حتى إذا انتهى من إلقاء الخطاب تأبط شباب الفاشست - وكلهم دون سن النضوج - منشورات مليئة بالقذف والبذاء في الإنجليز والفرنسيين، وهرولوا مسرعين إلى حيث يقيم السفير الإنجليزي فيقابلونه بالصفير والتهليل، وبإلصاق تلك المنشورات على سيارته وعلى دار سفارته!
بل أليس من دلائل القوة أن يعمد السنيور موسوليني في تقديم مطالبه ونشر مآربه إلى رأس المدفع فيتخذ منه مسنداً، وإلى جناح طائرة فيجعل منه مقعداً، ليكون من مجمل هذه المظاهر الجوفاء والحركات النكراء صورة لقوة زعيم ورمزاً لغضب الحليم!
ما كان أحد يتوسم في إيطاليا غير القوة والجبروت، حتى إذا أشرفت معركة فرنسا في الميدان الغربي على الانتهاء، وأعلنت إيطاليا الحرب على الحلفاء، طمعاً في كسب غير مشروع، ورغبة في غنم مأمون ومضمون؛ وحتى إذا فوتت إنجلترا على الدكتاتورية قصدها بإطالة أجل الحرب، وتعين على إيطاليا أن تقوم بدورها في القتال، تكشفت الحقيقة