للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب في سير أعلامه:]

٤ - تولستوي. . .!

(قمة من القمم الشوامخ في أدب هذه الدنيا قديمه وحديثه)

للأستاذ محمود الخفيف

غلام نابه

كان كلما اقترب ليو من أخوته سمعهم يتحدثون عن موسكو وعن الرحيل إلى موسكو فيرفع بصره إلى وجوههم يتبين هل ثمة فيها شيء من الهم لقرب هذا الرحيل؛ فإن الهم ما يبرح يهجس في خاطره منذ ان علم بقرب انتقالهم إلى موسكو؛ ولكن الغلام لا يجد في وجوههم أية أماره لذلك الذي يعتلج في نفسه من الحزن كلما تطرق الحديث إلى موسكو أو كلما وقع بصره على ما يلمح إلى الرحيل أو يشير إليه، ومن ذلك تلك السراويل الجديدة ذات الأشرطة الزاهية يقلبها أخوته بين أيديهم فرحين؛ وإنه ليشاركهم فرحهم بها وما ينقم منها إلا إنها سوف لبس في موسكو؛ فعما قريب يرحل مع أخوته ليتعلموا في تلك المدينة الكبيرة؛ وإنه ليعجب كيف يطيقوا الرحيل عن يا سنايا بوليانا فيتحدثون عن ذلك الرحيل ضاحكين مستبشرين ويقع الحديث من نفسه موقعاً أليماً.

وهل كان يطيق البعد عن ذلك القصر وعن تلك المدينة وعن هاتيك الغابات التي أحبها وألف المرح في أرجائها؟ وهل كان يطيق البعد عن العمة تاتيانا وهو لا يجد له أُماً غيرها؟ ومن ذا يكون مربيه في موسكو مكان تيودور رويسل؟ وهل هو واجد في موسكو ما يجده هنا من مسرات الحياة ولهوها؟ أيطيق ألا يرى الخدم الذين احبهم وأحبوه والخيل وكلاب الصيد التي أولع بها وأحب ان يراها كل يوم؟ ولكن ما من الرحيل بد فليس له إلا أن يصبر عليه. . . بهذا كان يتحدث الغلام إلى نفسه أو بهذا كانت تحدثه نفسه.

وحان يوم الرحيل؛ ومسح الغلام عينيه وقد انطلقت به وباخوته العربة إلى موسكو فما يجدر به أن يبكي وهو ابن ثمان، وهؤلاء اخوته حوله لا يبكون بل ليكترثون لشيء كأنما هم ذاهبون كما كانوا يذهبون بالأمس إلى الصيد في الغابة!

ونظر الغلام في موسكو إلى مربيه الفرنسي الجديد سنت توماس فإذا هو تلقاء رجل لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>