للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بمناسبة (المولد):

حقائق مؤلمة

للأستاذ علي الطنطاوي

(الكتاب أطباء الأمة. فإذا جامل الطبيب مريضه فكتم عنه

داءه، لم يبرأ منه أبداً).

علي

هذا يوم (المولد)، وأنه لمحطة في طريق الزمان، فلنقف عليه كما يقف المسافر في المحطة، ليلقي ببصره حوله، فينظر إلى أين يسير، وكم قطع من طريقه إلى غايته، وهل يمشي إليها على الصراط السوي، أم قد ضل عنها وجانفها، وهل يساير القافلة أم شرد عنها وفارقها؟ ولنحاسب فيه أنفسنا كما يحاسب التاجر نفسه، فيرى ماله وما عليه. . .

أما أنا، فقد وقفت ونظرت، فأبت وقد فاضت النفس حسرة، وامتلأت ألماً، وأيقنت أن الذي علينا، أكثر من الذي لنا، وأننا قد (خسرنا)!

ولم يكن التشاؤم من شأني، ولا اليأس مذهبي، ولكن ما نحن فيه يؤْيس الأمل، ويكرب المتفائل، وأين لعمري باب الأمل حتى ألجه، وأية حال من أحوالنا تبشر بالخير، وتدعو إلى السرور: أحالنا في بيوتنا، أم في مدارسنا، أم في أسواقنا، أم في دواوين حكومتنا؟ وأي طبقة من طبقاتنا تتبع هدى نبينا: أعلماؤنا أم قادتنا، أم أدباؤنا، أم عامتنا؟ وأي بلد من بلداننا، كان البلد الإسلامي الخالص: أحجازنا، أم شامنا، أم مصرنا، أم عراقنا؟

أما البيوت، وهي الحجارة في صرح الوطن، لا يصلح أن فسدت، ولا ينهض أن تهافتت، فلقد كان العهد بها مؤسسة على التقوى، قائمة على الخلق النبيل، والود المبذول، وكان الرجل فيها سيداً يطيعه أهلها ويطيع هو ربه، وكان لعمله وبيته، لا يعرف غيرهما، ولا يهمه سواهما، وكان الولد براً بأبيه، والزوجة موافقة لزوجها، همها دارها، ومطمحها إسعاد زوجها وولدها، فتغيرت الحال، فصارت المرأة قوامة على رجلها، والولد متكبراً على أبيه، والرجل داره قهوته أو ملهاه أو ناديه، والمرأة بيتها الشارع ودينها زينتها، تتخذها لتتجمل بها للرجال الأجانب في الترام والطريق، لا لزوجها في المنزل، وآثرت على دارها

<<  <  ج:
ص:  >  >>