عرض هتلر في حديثه إلى مجلس الريشستاغ الألماني إلى موضوع الصلح مع إنجلترا، فأبدى استعداده للدخول في مفاوضاته؛ ولكن أي صلح يريد هتلر؟ ولماذا يبدي استعداده اليوم بعد مضي شهر على تسليم فرنسا؟ الحقيقة أن هتلر لا يريد الصلح، وهو لم يكن في يوم من أيام حياته من مريدي السلام؛ بل هو في حالة حرب دائمة، فإذا كانت ألفاظ السلام على شفتيه، فعقله وقلبه يعملان للحرب، فصلحه وسلامه يقومان على الغدر والخيانة واستغلال الفرص للقضاء على سلام غيره
فتاريخ هتلر مملوء بالصفحات السوداء من تغرير، وخيانة، وغدر، وخديعة؛ ولم يتورع في تصرفاته عن استعمال أسلحة القتل والجريمة، فعندما أراد ضم النمسا دفع رجاله لاغتيال دلفوس زعيمها، فلما خاب مسعاه في المرة الأولى كرره في المرة الثانية، إلى أن تمكنوا من قتله، وعندئذ بدا هتلر على حقيقته زعيماً للمجرمين، فحمى القتلة، بل وزاد أن مجد ذكراهم لأول مرة في تاريخ الإنسانية، فوضع على قبور من اقتصت منهم العدالة أكاليل الزهر، وأقام نصب التخليد. فيالها من أكاليل ويالها من نصب!
الاختطاف الدولي
وعندما أراد أن يضم إلى بلاده مناطق السوديت توطئة لوضع تشيكوسلوفاكيا تحت سيطرته تبع نفس الوسائل، ولكن بطرق أخرى؛ فبدل أن يقتل اختطف، فاستدرج الرئيس هاشا بحجة المفاوضة، فلما وصل إلى ألمانيا أحاطه بالحرس المسلح، وألقى إليه بشروطه، على أنها شروط لا تقبل المفاوضة؛ فلما رفضها، برزت المسدسات من مناطق الرجال، وحيل بين هاشا والنجاة وجعلت شروط الصلح شروط الفدية، مذكراً بمصير (شوشنج) وما يعانيه من آلام الأسر، وعذاب رجال الجستابو
وعبثا حاول هاشا الخلاص من التهديد أو الإكراه إلى أن نفد احتماله وأغمى عليه مرات، ولكن الأطباء المعدين في حجرة مجاورة كانوا يسعفونه بالعلاج حتى يتمكن من إمضاء