مر بمصر في الشهر الأخير كاتب من أشهر كتاب السير والتراجم بين الإنجليز العصريين، وهو الأستاذ فيليب جوداللا صاحب سيرة شرشل وسيرة بالمرستون وسيرة نابليون الثالث بطل الإمبراطورية الثانية، وسيرة ولنجتون القائد الإنجليزي المعروف، ويحسبها بعضهم خير ما كتب في مادة السير والتراجم على الإجمال، وهذا عدا التراجم القصيرة التي كتبها لكثير من القادة والأدباء من الإنجليز وغير الإنجليز
وقد دعاه (الاتحاد الإنجليزي المصري) بالقاهرة إلى المحاضرة فيه، فاختار للكلام موضوعاً هو أقرب الموضوعات إليه وأولاها أن يخاطب السامعين والقراء فيه وهو (عمل المترجم) أو عمل الكاتب الذي يُدوِّن تاريخ العظماء ومن لهم تاريخ يستحق التدوين
والحق أنه أدى عمل المحاضر في الأندية العامة أحسن أداء، فلم يكن متعمقاً معاظلاً يتعب السامع الذي يتتبع الحديث ويريد أن يفهمه وهو يصغي إليه؛ ولم يكن هيناً يقول ما ليس يستحق الإصغاء ولا يخرج السامع منه بمحصول يفيد، بل قال ما يفيد ويمتع، وأودع حديثه السهل زبدة الآراء التي يستصوبها من وجهة نظره في صناعة الترجمة وكتابة السير بأسلوب يخيل إلى من يستخفه أنه تسلية ساعة، وهو في الواقع خلاصة حياة، بل خلاصة حيوات إذا نظرنا إلى التراجم الكثيرة التي خرج منها بهذه الخبرة الطويلة
فالترجمة عنده ليست (بقصة) طلقت اللهو والعبث ولبست لبوس الوقار والاحترام!. . . ولكنها تاريخ من التواريخ يطبق على الأفراد بدلاً من تطبيقه على الأوطان والأقوام
وهي من ثم جديرة بأكبر عناية في العصور الحديثة التي شاع فيها تهوين الفرد وتعظيم شأن القوى والعوامل الجامعة، فإن الفرد ولا ريب يدل على شئ كثير، لأنه يرتفع على القمة فيشير إلى اتجاه التيار، فإن لم يكن هو الفعال لكل شئ في زمانه فهو على التحقيق دليل على مجرى الزمن وعلى ما يكمن وراءه من الدوافع والمؤثرات
وقال: إن الفرق بين فرنسا قبل نيف وثلاثين سنة وفرنسا اليوم إنما هو في جملته فرق بين رجلين: بين فوش وبيتان! كما أن تاريخ إنجلترا في السنوات الأخيرة إنما هو مظهر الفرق بين شمبرلين وشرشل