للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما تعرض لفن السيرة أو فن كتابتها حذر الكاتب من فتنتين تغريانه من جانبين مختلفين: أحدهما جانب البلاغة الأدبية، والآخر جانب النظريات النفسية أو (السيكولوجية)

فليس الغرض من الترجمة إخراج قطعة من الأدب البليغ، وإن صح أن تجئ أدباً بليغاً في عرض الطريق

وليس الغرض منها عرض النظريات النفسية التي قلما تفضي إلى يقين، لأنها بين شئ مفروض معلوم من قبل، وشئ لا نفرضه ولا نعلمه على الإطلاق، وفي كلا الأمرين مضلة تستلزم التحذير

إنما الترجمة عمل (يدوي) كما يقال إذا شئنا أن نقابل بينها وبين الخلق الخيالي أو الخلق المثالي الذي يتطوح فيه بعض رجال الفنون. ففي حدود هذا العمل المتواضع ينبغي أن يقبع المترجمون!

ثم حذر الكاتب من خطأين آخرين عند الكتابة عن الأقدمين: خطأ النظر (الفوقاني) أو النظر إلى أعلى وهو ينتهي إلى الإطناب في الحماسيات والبطوليات وتخيل الأقدمين كأنهم جيل من العمالقة أو الملائكة العلويين

وخطأ النظر (التحتاني) أو الترفع عن الأقدمين كأنهم أطفال في حاجة إلى التربيت والإغضاء، مع شئ من الابتسام والاستهزاء

وإنما النظرة الوسطى هي النظرة القويمة، أو النظرة السواء لا إلى الأعلى ولا إلى الأدنى، فنراهم بالعين التي تنظر إلى الحياة اليومية ولا تعيبها مبالغة في الإكبار أو مبالغة في التصغير

وقال: إن الكاتب الذي يشغل ذهنه فترة طويلة بالبحث في سيرة عظيم من العظماءِ لا يلبث أن يشعر عامداً أو غير عامد أنه تقمص ثياب (سكرتير خصوصي) لذلك العظيم. . . فهو يجاريه في ميوله وبدواته، ويترقب ملاحظاته وإشاراته، فيفوته من ثم أن يستقل بذهنه في النظر إليه. وهذه أيضاً فتنة من فتن الترجمة المغرية للكتابة، عليهم أن يتقوها جاهدين ليكتبوا عن عظمائهم عادلين مستقلين

وعلى هذا النمط كانت محاضرته طريفة مفيدة، عليها الطابع الشخصي الذي ينم على تجارب الكاتب نفسه ويصطبغ بصبغة منه، وفيها الأحكام العامة والآراء الأساسية التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>