وقد لقينا في منزل صديقنا الدكتور هيكل باشا فسرنا منه أنه مسرور من الجمهور المصري المثقف الذي تحدث إليه، وأنه يلاحظ أنه لم يشعر بفرق قط بين الجمهور الذي كان يتحدث إليه في البلاد الإنجليزية والجمهور الذي تحدث إليه في القاهرة، فالمصريون كما قال يضحكون في مواضع الضحك التي يفطن لها الإنجليز، ويشبهون نظراءهم من السامعين هناك في التفاتات الذهن ومواقف التعقيب عند الإصغاء إلى حديث
قال: والضحك علامة الحضارة، لأن الشعوب البربرية لا تضحك، فذكرنا في تلك اللحظة قولة نيتشه إن الضحك من نكتة واحدة هو أول الدلائل على تقارب فكرين. وقلنا: بهذه العلامة ثق كل الثقة أن المصريين أعظم المتمدنين!
وسألناه: ألا تنوي أن تكتب شيئاً عن مصر بعد هذه الرحلة؟ فقال مبتسماً: لا أزعم أنني أكتب عن وطن بعد رحلة أيام. . . ثم قال: ولعلي أنا الرجل الوحيد الذي قضى في روسيا أسبوعاً ولم يكتب عنها سفراً طويل الصفحات
تلك خلاصة مقربة لجملة الآراء التي تشتمل عليها فلسفة الترجمة في رأي الأستاذ جوداللا، وهي آراء نوافقه على معظمها ولا نكاد نخالفه إلا في الميل إلى البطولة أو إلى الصبغة الأدبية، فإذا استطاع الكاتب أن يستروح نفحة البطولة من مترجمه وأن يبثها في قلوب قرائه فهو في اعتقادنا عمل لا ضير فيه، بل هو واجب مطلوب مفيد لا غبار عليه
وكذلك إذا استطاع أن يرضي ذوق الفن ويرضي الحقيقة في وقت واحد فتلك غاية حرية أن تتطاول إليها أعناق الكتاب، لأن تجميل الحياة بالصدق الفني غرض من الأغراض النبيلة التي نخلص إليها من طريق التراجم كما نخلص إليها من طريق الشعر والنحت والتصوير والغناء، فكل حياة خلت من الجمال الفني ومن الصورة المثالية التي يسبغ عليها ذلك الجمال هي حياة فاترة أو حياة ناقصة لا تستحق أن تعاش، وإنما مقياس الحياة التي تكتب عنها التراجم والسير هي الحياة التي تعاش
وفيما عدا ذلك نوافق الأستاذ جوداللا في فلسفته التي اختارها بعد التجربة الطويلة لصناعة الترجمة وتمثيل العظماء
نوافقه ونحن نعلم صعوبة هذه الموافقة في زمن كثر فيه المنكرون لقيمة الفرد وقيمة