للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العظمة، وتردد فيه القول بسلطان العوامل الاجتماعية كأنه هو السلطان الذي ليس وراءه سلطان

وقد رأينا فعلاً كاتباً إنجليزياً يعقب على محاضرة الأستاذ جوداللا من هذه الناحية، ويسأله سؤالاً يلخص مواضع اعتراضه فيقول: هل هتلر ظهر في البيئة الألمانية لأنها بيئة مقلوبة أو أن هذه البيئة انقلبت لأن هتلر ظهر فيها؟

والظاهر من سؤال المعترض أنه يأخذ بالقول القائل إن الفرد نتيجة منفعلة، وليس بسبب فاعل في الحوادث التاريخية، وأن العظيم لا ينبغ في أمة إلا إذا تمهدت له دواعي الظهور من تكوين تلك الأمة؛ فالعوامل الاجتماعية إذن هي موضع البحث والالتفات، وليست عظمة العظماء ولا جهود الأفراد

وهذا مذهب مبالغ فيه قد جنح إليه الاشتراكيون على الخصوص لأنهم يردون العوامل كلها إلى المجتمع وعناصر تكوينه ومعيشة أبنائه، ولكنهم مهما يبالغوا في هذا فلن يستطيعوا أن يزعموا أن العظماء والصغراء سواء، وأن النوابغ لا يقدرون على عمل يعجز عنه المحرومون من النبوغ. ومتى كان مسلما أن النوابغ يعملون وأن عملهم لا يذهب سدى فهذا هو المهم الذي يستحق النوابغ من أجله دراسة الدارسين وإعجاب المعجبين

يسأل السائلون الفارغون: من صاحب الفضل في السياحة؟ المركب أو البحر أو الريح؟

وهذا سؤال فارغ كما قلنا لأن السياحة كلمة لا معنى لها إذا انفرد المركب أو انفرد البحر أو انفردت الريح

ففي الساعة التي تلفظ فيها كلمة السياحة البحرية تتمثل لما كل هذه العناصر مجتمعات، ولكنها تتمثل أو لا تتمثل تعجز كل العجز عن إنكار حق المركب في إتمام السياحة، وحق المسافر في الاختيار بين مركب ومركب، وحق الشركات في إنشاء المراكب ورصد المسافات كيفما كانت البحار والرياح.

وكذلك العظمة المشهورة كلمة تستلزم وجود الآدميين الذين يشتهر بينهم العظيم بغير فلسفة ولا تعمق ولا استطلاع لمغيبات. ولكن ماذا في هذا مما ينفي أن العظيم أفعل من الصغير، وأن هذه الأفعال جديرة بالتقديم والتأخير في سير الأمور؟

فالفرد شئ والعوامل الاجتماعية شئ، ومن قال إن الفرد لا يهم فقد أنكر الغاية من إصلاح

<<  <  ج:
ص:  >  >>