كان زفاف الفاروق حرسه الله بهجة غمرت جنبات مصر، وهزت شعور أبنائها على اختلاف طبقاتهم بالجذل والسرور، فنهضوا يتسابقون في إعلان جذلهم وسرورهم بشتى المظاهر والظواهر، فإذا مصر من ذلك في صورة رائعة من الواقع رجحت الخيال، وأصغرت ما لها من الأشباه والنظائر في التاريخ، وأزرت بما يمثله القصص الموضوع عن (الليالي الملاح) في ألوان الترف والنعيم، واشتمال الأنس والصفاء، ومهارة العقل فيما أبدع، وجمال الفن فيما نوّق؛ على أنه تنفرد في هذا كله بجلال الإخلاص، وصفاء الحب، وروعة التمجيد. وسيكون للتاريخ من ذلك صفحة وضاءة مشرقة، لم تكن له في الأيام الخالية، أخشى أن يطالعها الناس فيما بعد فيقولوا: إنها تلفيق الخيال، وصنيع الكذب، كما نقول نحن في ليالي ومحافل ألف ليلة وليلة وأشباهها من القصص المختلق
لقد شهد المصريون جميعاً ذلك اليوم، وامتلأت نفوسهم وقلوبهم بروعته
وجماله، واستطاع كل فرد وكل جماعة أن تعبر عن شعورها بذلك
أوضح تعبير وأجمله، فكان اليوم في كل مناحيه ومظاهره يوم
الشعراء؛ الشعر يبدو في مجاليه، والحسن يزهو في حواشيه. هو دنيا
تفيض بالجمال والجلال، وشمس تشع على الكون نور البهاء والرواء،
فأينما سرحت النظر وجدت حفزاً للشعور، وإرهافاً للإحساس، وتزكية
للعواطف؛ والشعراء كما نعلم أوفر الناس شعوراً، وأرهفهم إحساساً،
وأزكاهم عاطفة، تلك هي مواهبهم التي تميزهم عن سائر الناس،
وتطوّع لهم الصناعة الشعرية دون غيرهم، فكان لا بد أن تفيض
نفوسهم بما رأوا قوافيَ كلها الإحساس بالجمال والجلال، وأن يجري
شعرهم بما في نفوسهم أوزاناً صادقة منسجمة هي لحن الزمن الباقي