للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نظرات في كتاب الفكر الاجتماعي]

للأستاذ كامل كيلاني

- ١ -

في فترة عارضة من فترات السآمة والملل، أعقب ساعات جاهدة من العمل، فتحت هذا الكتاب كما اتفق، فكان أول ما وقعت عليه عيناي تلك الصورة التي قبسها المؤلف، حين عرض لعبادة العرب للأشجار والحجارة، وهي تمثل للقارئ لونا عجيباً من أخيلتهم، وترسم صورة رائعة مما استقر في إخلادهم، وتجلو بعض ما كانوا يتناقلونه من الأساطير عن معبودتهم (العزى) التي كانوا يتخيلونها شيطانة ثائرة، تبدو - لمن يراها في صورة حبشية غضبى -، تأتي ثلاث سَمُرات (شجرات من أشجار الطلح) نافشة شعرها، واضعة يديها على عاتقها، وهي تصرُف بأنيابها (تسحقها وتحك بعضها ببعض حتى يسمع لها صوت).

وما كدت أبلغ قول المؤلف المفضال:

(وكذلك كانت عبادتهم لذات أنواط، فقد اعتقدوا أن معبوداتهم الحية كانت تحل تلك الأشجار والأحجار).

حتى طويت الكتاب، على عادتي كلما بلغت من المطالعة فترة يحسن الوقوف عندها، والتفرغ لها. وسرعان ما استغرقني التفكير، وأسلمني التأمل إلى عوالم فسيحة من الحقائق التي تفوق الخيال في غرابتها، ولم أتمالك أن رجعت القهقري حتى بلغت العصر الجاهلي الذي طالما عشت فيه، تارة في صحبة مؤرخي العرب والفرنجة، وتارات في صحبة المبدعين من الشعراء والكتاب ويا طالما نعمت بالتجوال في ذلك العصر الغابر، وأنست بارتياد روائعه في رفاقة أستاذي (المعري). وطالما انتفعت بإشاراته في رسالة الغفران وما إليها من بديع آثاره. كما انتفعت بصحبة العلامة (دوزي) في ارتياد كثير من تلك المجاهل السحيقة، حين ترجمت طائفة من فصوله الممتعة التي أودعتها كتاب: (ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام).

فلا عجب إذا عاودني الحنين والشوق إلى استئناف الدرس حين طالعت تلك الفقرات:

(وذو الشوق القديم - وإن تعزى - ... مشوق حين يلقى العاشقينا)

ولا عجب إذا تواثبت الخواطر، وتدافعت الذكريات، فلم أدر أيها أثبت وأيها أدع، ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>