من جد الحياة أن نضحك. ومن جد الحياة أن نعمل ونشقى، وبين الضحك والعمل، تنساب الأيام وتتراكم الأعوام، ويفنى قديم ويعيش جديد، ويقضي قوم وينشأ آخرون.
ومن جد الحياة أن يرسم الإنسان نفسه في وقت ضحكه، ومن جد الحياة أن يرسم الإنسان نفسه في وقت عمله، وأن يصور خلجات قلبه القلب، وجموح نفسه الوثابة، ومطامع روحه الهائجة، أو نمثل حياتنا التي هي مسرح نضال بين عواطفنا وعقولنا.
فنحن أما عمل لذيذ مفرح، نتمثل فيه الماضي، ونرسم صورته الحائلة بصورة لماعة رائعة، ونخلد فيه ذلك الشبح الباهت بطيف براق فاتن. فيه سحر الحياة وفتونها، وفيه غموضها واسرارها، وفيه جمالها وبهائها، وفيه موسيقاها المتزنة، وأنغامها المتناسقة. إننا نخلق من القتام نوراً، ومن الموات حياة، أو ننتج نتاجا فنيا.
إننا نشيد هذه العواطف والاحساسات، التي أوحت بها إلينا الحياة، والتي صبغها الأسى بلونه الأحمر الدامي، أو أيقضها الأمل بعطره وشذاه، أو حركها الأباء والشمم، والغيظ والشفقة، والغضب والرحمة، تلك العواطف التي تتلاعب بعقولنا وأرواحنا، والتي تتحد في دائرة، سمها إن شئت حياة. وان شئت حركة الكون.
والفنان إنما خلق ليسجل هذا الشعور الذي يصور وحدة الكون، ولا يستطيع تسجيلها إلا إذا أحس بالكون ذاته، ولا يستطيع أن يحس بالكون إلا إذا كان نفس صافية، تنطبع عليها المشاهد، وتظهر على صفحتها الرؤى، وقد تشابك بعضها ببعض. وقد ارتبطت بروح واحد هو روح التناسب. فهي كالنغمة الموسيقية، مترابطة مؤتلفة متزنة.
وعمل الفنان في هذا المجال. هو أن يقف أمام دولاب الزمن الذي يدعس كل شيء فينتشل من تحته رؤى ومشاهد. وعواطف واحساسات، ونوعا من الشعور المبهم الغامض. ونوعا من الإدراك الناقص. اجدر بها أن تبقى لأنها تمثلنا. لأنها قريبة منا شديدة الصلة بنا. إننا نحتفظ بها لنبقى نحن. فهي تخلدنا ونحن تخلدنا فنشعر بها في أدمغتنا، ثم نصورها بألفاظنا وكلماتنا. فنحس أنها قد أتت بسامة فتانة. نحس بنورها المشرق على نفوسنا فيبعث مواتها.