شهد العراق في القرن التاسع عشر نهضة أدبية كبرى كان لها الصدى المدوي في وادي الرافدين، وكان لها الأثر الفعال في انبعاث الشعر المعاصر في العراق، وهذا القرن - بما فيه تبلبل سياسي والتواء في الحكم، وبما فيه من ظلم واستبداد - كان نشيطاً في حركته العلمية والأدبية. وكان اكثر نشاطاً في الناحية الشعرية. ففي بغداد والحلة والنجف والموصل كانت الحركة العلمية في نهاية المعركة مع الأحداث والخطوب التي كانت تحارب العقول والأذهان والحريات؛ لأن الأولى كانت تستمد قوتها من تاريخ حافل بالأمجاد والروائع؛ ولأن الثانية كانت تطل من دنيا الجهل والجبروت تحارب هذه الأمجاد بقوة وعنف وانتصرت الحركة العلمية في العراق بفضل أبنائه الساهرين على تأريخهم وأمجادهم، فقد كانت في القرن التاسع عشر - ولا تزال - بيوت أثيرة المكانة منيعة الجانب تجمع بين النفوذ السياسي والديني، وكان فيها إلى جانب ذلك من يعشق الأدب ويمارس الشعر. وقد حدبت هذه البيوت على الشعر والأدب تمده بالرعاية وتبذل له من التشجيع ما وسعها ذلك. ومن هذه البيوت: الشاوي والنقيب وكبة في بغداد، والقزويني في الحلة، وكاشف الغطاء والجواهري وبحر العلوم في النجف، والعمري في الموصل. وتحت رعاية هذه البيوت أستظل الشعر بنجاح وريف الظل ونبغ كثير من الشعراء الأفذاذ الذين لا يقلون في التعبير والمعاني والأخيلة عن شعراء العصر العباسي الأخير. ومن هؤلاء: الحليان السيد حيدر والسيد جعفر، والموصليان عبد الغفار الأخرس وعبد الباقي العمري، والنجفيون السيد محمد سعيد الحبوبي والسيد إبراهيم الطباطبائي، والشيخ عباس والشيخ جعفر الشرقي والشيخ جواد الشبيبي وغيرهم. وقد ترك معظم هؤلاء الشعراء دواوين مطبوعة وأثاراً مخطوطة يتدارسها أدباء العراق ويعنون بها، لأنها الينبوع الذي تدفق من بين الرمال والصخور بعد فترة طويلة فسقى وأنبت وأمد نهضتها الحديثة بذخيرة قوية وافرة.
ومن المعنيين بهؤلاء الشعراء الشاعر المعروف الدكتور محمد مهدي البصير أستاذ الأدب