العربي بدار المعلمين ببغداد فقد أصدر عنهم كتاباً سماه:(نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر) تحدث فيه عن ثمانية وعشرين شاعراً بين شهير أضاف إلى حياته صفحة جديدة، وبين مغمور كشف عن حياته وشعره. وهذا الكتاب هو مجموعة أحاديث أذاعها أديبنا الكبير من دار الإذاعة العراقية ثم شاء له حرصه الأدبي والتاريخي أن يجمعها في كتاب منشور.
هؤلاء الشعراء - كما يقول الدكتور في المقدمة -: (ليسوا كل من أنجب العراق من قالة القريض في القرن المنصرم ولا أكثرهم ولا كل من أعرف منهم، ولكنهم صفوة من أعرف وخير من وصلني علمه منهم) أما دراسته لهؤلاء فليست من الدراسات التي تعتمد على الترجمة والرواية فحسب، بل هي مزيج من هذا ومن غيره. ولعل اللون الذي يطغي على هذه الدراسة هو اللون التحليلي الذي يعتمد فيه على أثر الشاعر ويستقي من شعره، ولذلك فإن للدكتور البصير أراء أستخلصها من شعر هؤلاء قد لا يقره عشاق التراجم، كما أن له آراء قد لا يوافقه عليه نقاد الأدب، ونراه في بعض الشعراء يبدو واضح الرأي والفكرة، وفي بعضهم يظهر متردداً متهيباً من الإفصاح والجهد، والسبب في ذلك يعود إلى أن الذين تحدث عنهم لم يكونوا جميعاً ممن انقطعت صلتهم بالأحياء. بل أن معظمهم ترك وراءه أسرة وأحفادا يحاسبون الأديب والناقد الحر، وأن معظمهم قد جمع بين الشعر والعلم، وبينهما وبين التقشف والزهد، فكان من البديهي أن يقع الدكتور في مأزق من جلاء الدراسة ووضوح الرأي فلم تسلم دراسته من بعض الغموض، ولم يسلم رأيه من الترجح والتردد في بعض المواطن، ونشير إلى ذلك وغيره.
يتحدث - أول ما يتحدث - عن السيد محمد سعيد الحبوبي النجفي الشاعر الشهير وصاحب الموشحات الكثر فيقارن بينه وبين الشريف الرضي وتسلم مقارنته في كثير من المواطن، في الشعر والعلم، وفي الحياة والجهاد، وفي مواطن الترفع عن التكسب بالشعر، ويغفل المقارنة بينهما في النسب، فكلا الشاعرين علويان يتصل نسبهما بالإمام علي، وقد ترتب على هذا الإغفال - مادمنا في صدد المقارنة إغفال ناحية أخرى وهي تعصب الشريف الرضي لعلويته ودفاعه عنها واعتزازه بها وتفجعه لمآسي أجداده أما الحبوبي فإنه قليل المحاولة في ذلك، فما هو السبب ولماذا؟ هذا ما كنا ننتظره من الدكتور.