للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويتردد الدكتور في رأيه بين الجهر والتكتم عندما يتحدث عن غزل الحبوبي، فهو لا يستطيع أن يحكم بأن الحبوبي قد أكتوى بنار الحب وأنه أستمتع من شبابه بما يستمتع به كل شاب مترف لأن سمعتة الفقيه تأبى ذلك: ثم يقول: (أننا نظلم الحبوبي ظلماً فاحشا إذا افترضنا أن قلبه لم يكن من القلوب التي بداخلها الحب)! فالدكتور البصير لا يريد أن يظلم الحبوبي فيقول عنه أنه احب ولا يريد أن يظلمه فيقول: أنه لم يحب في الأولى يتنافى مع علمه وفقهه وفي الثانية يتنافى مع غزله الرقيق؟! هذا هو موطن الغرابة في رأي الدكتور، ولقد كان بإمكانه أن يعلن عن رأيه بوضوح ولا يتحفظ ما دام يتنقل من ديوان الحبوبي بين شعر واضح التصوير والصور، ولا أحسب ذلك عسيراً على الدكتور وهو يعتمد في دراسته على الشعر أكثر من غيره.

ثم ما المانع من أن يكون الحبوبي قد عشق وأحب ولكن في سياج من العفة والأخلاق؟ وهل كانت قلوب الفقهاء إلا كقلوب سائر البشر تحس بالجمال وتنفعل به، ولكنها كقلوب بعض البشر أيضاً لا تواكب هذا الجمال ولا تنطلق مع الحب إلى ما وراء العفة؟ وليس الحبوبي إلا واحداً من هؤلاء يحس بالجمال ويحترمه وقد يهيم به ولكن في دائرة محدودة هي النزاهة والعفة.

ثم ألبس الشيخ عباس النجفي - وقد تحدث عنه الدكتور فيمن تحدث عنهم - كان فقيهاً وكان محباً تعرض في حبه لكثير من المتاعب وتحدثت عنه القصص الغرامية كما تتحدث عن أي شاعر عاشق صدق في شعره كما صدق في حبه؟ فلماذا كان الشيخ عباس شاعراً محباً صادق الحب؟ ولماذا كان الحبوبي يظلم حين يتهم بالحب ويظلم حين يجرد منه؟.

أعتقد أن هذا التشكيك وهذا التحفظ ما كان لهما شأن عند الدكتور لو أنه عني بدراسة البيئة العراقية عناية دقيقة وربط بين هذه البيئة وبين شعر الحبوبي. ولو أنه أعطى البيئة نصيباً من الدراسة لجرد الحبوبي من تبعات الحب في مختلف أدواره، ولننظر إلى شعر الحبوبي:

قلن لي: علك يا بادي الشجن ... ذلك الصب العراقي الوطن

مولع القلب يتسآل الدمن

لست تنفك تحي الاربعا ... ولكم عجت ضحى في سفح ضاح؟

قلت: هل تنكرن صباً مولعاً ... يا ذوات الأعين المرضى الصحاح

<<  <  ج:
ص:  >  >>