هذا نموذج ذكره للدكتور من غزل الحبوبي واستشف من ذلك أن الشاعر كان عاشقاً ولكنه تحفظ بهذا الرأي كما يقول. ولو انه أنكر على الحبوبي (تسآل الدمن) و (الأربع) و (سفح ضاح) والجناس بين (ضحى وضاح) و (الأعين المرضى الصحاح) أقول: لو أن الدكتور فعل ذلك لأنكر على الحبوبي هذا الحب وهذه المحاورة. ولنستمع إلى الدور الآتي من الموشح:
ثم قدنا شدنها بالذمم ... وتلطفن بطيب الكلم
قلن لي: الموعد في ذي سلم
فانتظر حارسها أن يهجعا ... ورعاة الحي أن تأوى المراح
وهزيع الليل أن ينزعا ... وتهيج الروض أنفاس الرياح
فأين الحبوبي من ذي سلم ورعاة الحي والمراح وهو يعيش في مدينة النجف؟ كل ذلك تقليد للصور الشعرية التي نجدها في محاورات ابن أبي ربيعه، ولكنه تقليد واضح الشخصية متين الأداء. أما الانفعالات التي يثيرها الحب في نفس الشاعر المحب وتنعكس في تعبيره فأننا لا نكاد نلمحها في ثنايا هذه الأبيات على أن السيد الحبوبي - رحمه الله - قد هدم كل رأي يقال فيه عن الحب في موشحة أخرى وصرح بأن هذا الغول كله كان غزلاً مادياً لا ينعكس فيه أي صورة من صور الحب الصحيح:
لا تخل ويك - ومن يسمع يخل - ... أنني بالراح مشفوف الفؤاد
أو بمهضوم الحشا ساهي المقل ... أخجلت قامته السمر الصعاد
أو بربات خدور وكلل ... يتفنن بقرب وبعاد
إن لي من شرفي برداً ضفا ... هو من دون الهوى مرتهني
غير أني رميت نهج الضرفا ... عفة النفس وفسق الألسن
ولا داعي لأن يقول الدكتور إن هذه الأبيات قد زادت (المسألة تعقيداً) بعد الذي أشرنا إليه.
حقاً إننا نجد الحب في أعنف صوره عند الشيخ عباس النجفي لأنه كان شاعراً صادق التعبير، وفي حدود ذلك الحب لم يتجاوزه إلى الذي سلم وسفح ضاح، بل وقف عنده يؤديه أحسن أداء ويصوره أحسن تصوير. وهذه قصيدته الشهيرة خير دليل على حبه الصادق العنيف: