الماء من اقدم أشياء هذا الوجود، فهو لاشك سبق الإنسان وسبق الحيوان، ولاشك سبق النبات، أليس من الماء كل شئ حي؟ هكذا قالت الكتب السماوية، وعليها آمنت الكتب الفلسفية فالعلمية. وقد أدرك خطر الماء الحكماء في العصور الخالية، فعدوه رابع أربعة من جواهر حسبوا الكون بما فيه تكون منها، ومنها فحسب، بنسب تكبر وتصغر فيتألف منها الجسم الذي ترى بخواصه التي تعرف. وجرت على هذه العقيدة قرون تلتها قرون. حتى جاءت الكيمياء الحديثة بعناصرها ومركباتها، وجاءت بجزيئاتها وذراتها، فأفسدت على الحكماء حكمتهم، وطاحت بالأصول الأربعة التي فرضوها على الوجود، وأثبتت إن الماء مركب من عنصرين الأيدروجين والأوكسجين، بنسبة وزنية ثابتة. نعم قد يتغير الماء لونا وطعما وكثافة، فقد يتملح وقد يتطين وقد يتغوز، فالغازات تذوب بالماء كما تذوب الأملاح، ولكن إيت بالماء من الأرض أو من السماء، على أي حال تشاء، ثم رشحه من أوساخه، وقطره ليخلص من املاحه، واتبع لنقائه أموراً أخرى عديدة تجدها في مفصلات الكيمياء، ثم حلله تجد نسبة الأيدروجين الذي فيه إلى الأوكسجين ثابتة لا تتغير.
هذه بديهة من بدائه الكيمياء، فرغ منها العلماء من زمن، أو حسبوا انهم فرغوا منها. بديهة تسئمك قراءتها بلا شك، كما تسئمني أنا كتابتها، لولا إن البدائه كثيراً ما تنتابها الشكوك فتعكر عليها الهادئ في هذا الوجود المضطرب، حتى بدائه العلم.
إن الأيدروجين أخف الغازات المعروفة، وذرته أخف الذرات. ومن اجل هذا اتخذ وزن ذرته وحدة تقاس بها ذرات العناصر جميعاً. ولكن هذه العناصر إن اتحد بعضها بالأيدروجين فأمكن إيجاد ذرته، فأن الكثير منها لا يتحد به وإنما يتحد بالأوكسجين، فيمكن عندئذ احتساب وزن ذرته منسوبة إلى ذرة الاوكسجين، ولكن المراد نسبتها إلى الأيدروجين حتى يكون اصل النسب واحد، فكان لابد من احتساب كم من الأيدروجين يتحد بكم من الأوكسجين واحتساب ذلك بدقة كبيرة لان هذه النسبة سيتوقف عليها ضبط نسب أخرى عديدة.