حقيقية عاشت وعرفها فكتور هوجو ودرسها منذ سنة ١٨٢٩ وهي شخصية المونسنيور ميوليس أسقف (ديني). المونسنيور ميوليس قد آوى ذات يوم مجرما بائسا يدعى بيير موران وحمله على التوبة وانتهاج سبيل الخير. وقد وقعت معظم الحوادث التي يقصها فكتور هوجو حقيقة في أسقفية (ديني)، سنة ١٨٠٦، وهي حوادث يلخصها الواعظ إنجيلان فيما يأتي: - (في ذات يوم من أيام سنة ١٨٠٦، دخل بيير موران وهو مجرم افرج عنه، مدينة ديني نحو الساعة الخامسة مساء بعد أن قطع يومه سائراً، وكان في السادسة والعشرين من عمره، فلما رده جميع أصحاب الفنادق، وأنهكه الجوع والتعب، قصد بناء على نصح سيد عجوز، باب الأسقفية وطرق الباب طرقا عنيفاً، فلبث الأسقف هادئا، ونزلت خادمته روز شاحبة مضطربة وهي تقول - رباه! من ذا الذي يطرق بهذا العنف؟ ودخل بيير موران، ولم يكن في هيئته ما يطمئن؛ ومع ذلك فقد كان يبدو عليه الوجل والحيرة وعذاب المسبغة، وكان وجله يتعارض مع كتفيه العريضين ووجهه القوي، وكأنهم جبينه ينضح عرقا؛ فراعه محيا القس الوديع وغمغم بعبارات لا تفهم، فهدأ القس روعه وخاطبه بتلك البساطة التي تذهب إلى أعماق النفس؛ وقدم إليه العشاء وهيئت له غرفة للنوم. . .) وشعر بيير موران انه قد تغير وغدا شخصا آخر، فدخل ممرضا بمستشفى متنقل؛ وكان قويا متين البنية مثل جان فالجان، فكان يؤدي عمله كالابطال، وحمل بين يديه ضابطا جريحا، ثم عاد بعد ذلك إلى منزل القس واحب ابنة أخته وخادمته روزالي، ولكنه لم يجرؤ على طلب يدها، فأختفى وقتل في موقعه واترلو ولم يقتصر فكتور هوجو على أن يتحرى الحقيقة بالنسبة لأبطال روايته، ولكنه ذهب إلى تحريها في أوصافهم وأخلاقهم وفي الأوساط والبيئات التي عاشوا فيها مستندا في ذلك إلى وثائق دقيقة. وتبدو عنايته الشديدة بالبحث والدرس حينما يقص حوادث موقعة واترلو، فقد زار مسرح الموقعة الشهيرة ودرس خططها وأماكنها واوضاعها، ورجع في حوادثها إلى تواريخ العصر وسيره ووثائقه.
والحقيقة ان (البؤساء) اكثر من رواية واعظم من قصة؛ (فالبؤساء) بموضوعها وأوصافها قصيدة رائعة للبؤساء، ترتفع إلى السمو، وتشدو فيها العواطف البشرية، ويمثل شدوها في صورها؛ هي تنبؤ بليغ حي، هي نوع من الوعظ الدنيوي يضطرم بنبرات رسول؟