كان هذا السؤال الذي جعل الجواب عليه هو الفصل الأخير من الكتاب، وناقش فيه من يدعون إلى العامية، ويدعون إلى الرمزية. والعامية ليس من الضروري أن تكون عامية اللفظ، فهي عامية التعبير وعامية التفكير. وقد لا تكون الألفاظ عامية، ثم تكون طريقة الأداء عامية، كما تكون كذلك طريقة التفكير.
وفي سياق بحث الموقف الحالي للأساليب العربية شرح تطورات أساليب النثر العربي شرحا مختصرا وافيا دقيقا، ولخص مذاهبه تلخيصا جميلا مفيدا، ورتب على هذا التطور نتائجه المنطقية ترتيبا بارعا وصادقا في الوقت ذاته.
وفي اعتقادي أن هذا الفصل هو أبرع فصول الكتاب وأدقها وأصدقها. وهو كذلك بحث جديد في المكتبة العربية، لم يلخص من قبل مثل هذا التلخيص.
وأحب أن أشرك القارئ معي في تقدير قيمة هذا الفصل الجيد من فصول الكتاب.
جاء في ص ١٢٥:
(. . . إن المذهب الكتابي أو الشعري إما أن يكون مرحلة تطور لمذهب يتقدم به مبتدعوه، وإما أن يكون رد فعل لمذهب يغلو فيه مبتغوه. فأسلوب عبد الحميد بن يحيى إنما كان الطور الأول للأسلوب العربي الضيق الموجز، دعت إليه مقتضيات المجتمع الجديد من تشعب أطراف الدولة، وبدو ثمار الحضارة، ودنو العربية من الفارسية. وأسلوب ابن المقفع الذي ظهر في فجر الحضارة العربية كان طوره الثاني، دعا إليه اتساع الخلافة، وتنوع الثقافة، وشدة اختلاط العرب بالفرس. ثم كان طوره الثالث أسلوب الجاحظ الذي اقتضاه نقل العلوم الأجنبية، وازدهار المدنية العباسية، وانتشار المقالات الإسلامية، وتعقد الحالة