ليس خيراً في الاحتفال بذكرى هجرة الرسول من الاجتهاد في إحياء سنته صلوات الله عليه عن طريق التنبيه إلى بعض الأخطار التي تحف بها في هذا العصر الذي تكالبت فيه عليها الميول والشهوات ومختلف النزاعات الناجمة في الغرب، والتي توشك إن لم يجتهد أولو الرأي والدين في صدها وإيقافها عن حدها أن تطمس من نور سنة صاحب الهجرة صلى الله عليه وسلم ونور كتاب الله نفسه، فتعمى قلوب بعد إبصار، وتنشأ ناشئة المسلمين في دياجي الشك بعد أن كان يرجى أن تنشا في نور اليقين
وأخطر تلك النزعات الناجمة والشهوات الهاجمة نزعة التشكيك في أحكام الدين من ناحية، وشهوة تأويلها إلى ما يتفق وما يسمونه روح العصر، أو بالأحرى رأي الغرب وحكمه من ناحية أخرى. وأصحاب هذه النزعة حين يذكرون روح العصر أو يدعون إلى اتباع الغرب إنما يريدون تقمص روح الغرب واتباع خطواته في الاجتماعيات، أي في الميدان الذي ما نزل الدين إلا لتنظيمه، وما جاء الرسول إلا لتقويم الحياة فيه. والغرب كما نبهنا في مثل هذا المقام من قبل لم يصب سنن الله إلا في عالم المادة أما في عالم الروح والاجتماع فالغرب لم يصب سنة ولا حكما، بل هو في حيرة من أمره: يضطرب بالنظم المتناقضة، ويعج بالآراء والنظريات، ويميد بالأهواء والشهوات، حتى أصبحت عوامل القوة والأمن التي أصابها من ناحية علومه الطبيعية، هي بذاتها عوامل الخطر والخوف فيه؛ وأصبح من مدنيته هذه المادية المسرفة المغرورة كالساكن على حرف بركان
لكن الذين يدعون إلى الغرب فتنتهم قوته المادية، وجهلوا ضعفه الاجتماعي، فظنوا أن القوة في ناحية معناها القوة في كل ناحية، وأنه لما كان على حق في طبيعياته، فهو على حق في اجتماعياته؛ فسبيل النهوض والقوة في زعمهم هو أن يدع الناس ما هم عليه، ويأخذوا بما هو عليه، لا يبالون ماذا يتركون، ولا يترددون ماذا يأخذون
لكنهم نظروا أيضاً فوجدوا أن هذا معناه الدعوة إلى ترك كثير مما أمر به الإسلام والأخذ بكثير مما نهى عنه. والإسلام مهما ضعف في نفوس أهله فقد بقيت من روحه فيهم ومحبته بينهم بقية لا تؤمن معها عواقب هذه الدعوة على الدعاة من ناحية، ولا يرجى معها من