(المجتمع حاجة نفسية، تنبعث من نفس الفرد، من رغبة ملحة في ألا يعيش وحده، وسواء كان الخوف، والشعور بالوحشة أمام الحيوانات المفترسة، وقوى الطبيعة المجهولة، أو كانت المصلحة حين وجد كل فرد أنه يستطيع أن يدرك بالاشتراك مع غيره، ما لا يستطيع أن يدركه وحده، أو كانت غريزة الجنس، أو نزعة القطيع، فالنتيجة الأخيرة واحدة، وهي أن نزعة لا تقهر، هي التي أنشأت المجتمع من ضمير الفرد. . . . .
(وقد كان أمراً طبيعيا أن يكون المجتمع الأول في أضيق نطاق ممكن، وأبسط صورة ممكنة: أسرة: زوج وزوجة وأبناء. فتلك أول مجموعة يمكن أن تتغلب فيها نزعة الاجتماع، على النزعات الفردية المستقلة، وتخضعها لسلطانها بأي طريق. ومنذ تلك اللحظة، صارت الأسرة، هي الوحدة بدلا من الفرد، ومع أن الفرد ظل محتفظاً بكيانه، كشخصية مستقلة، إلا أنه، قد اكتسب في الوقت ذاته صفته الأخرى، كعضو في جماعة، ولم يعد في طوقه أن يحس أو يفكر أو يعمل إلا بصفتيه في آن واحد) هذه صورة يعرض عليك فيها حاجة الفرد إلى المجتمع الذي يعيش فيه، ولا يمكن أن يكون مستقلا بذاته، غنيا بفرديته. تقابلها صورة أخرى حين يراد للفرد أن يخضع لنزعته الجماعية إلى آخر المدى، على حساب فرديته وذاتيته، في الدول الدكتاتورية أو الشيوعية.
(إن الإنسان في آفاقه العليا، كائن له إرادة حرة، وكيان مستقل، صحيح أن له إرادة يحدها الصالح العام، وكيانه المستقل، يخضع لقدر من الإشراف يتحقق به في النهاية صالح الفرد وذاته بتحقيق صالح المجموع، ولكن الفرد في المجتمع الحر له رأي في تكييف هذا الصالح العام، وفي طريقة تنفيذه. رأي حر يتشاور فيه الناس علانية، دون خوف من سلطان الدولة. . وتجسس الرقباء. . . . والفرد حر في مشاعره التي لا تؤذي غيره،