هذا يوم الأحد رابع عشر ذي الحجة سنة ست وخمسين وثلاثمائة وألف، ونحن في البلد الأمين مكة وقد قضينا مناسك الحج. . .
قلت لبعض الرفقاء: هلم إلى غار حراء. فأخذنا سمتنا صوب الشمال ضحوة النهار، منا الراكب ومنا الراجل، وملء القلوب اشتياق وسرور، وعلى الوجوه التهلل والبشر
بلغنا جبل النور - جبل حراء - بعد أربعين دقيقة. وملنا مع الدليل ذات الشمال فإذا امرأة تنحدر من السفح مسرعة تصيح:(أنتم غادين؟) فقلنا: ما تبغين؟ قالت: هنا الطريق. فاتفقنا على أن تهدينا السبيل إلى الغار. ونظرنا إلى الجبل فإذا السفح ينتهي إلى قمة شاهقة ملساء، قطعة واحدة من الصخر قاتمة
سارت فاطمة أمامنا مصعدة خفيفة سريعة لا تبالي الشوك والحصى وأطراف الصخور الحديدية كأنها أروى ترتع على السفح
سارت في طريق معلمة يبين فيها بين الحين والحين تمهيد الإنسان؛ هنا حجارة مرصوصة يرتقي عليها الصاعد، وهناك جدار صغير من حجارة مركومة أو مبنية تعصم المرتقى أن يزل عن الطريق
تتابعنا صاعدين جاهدين منحنيين على المرتقى الصعب، وما في النفوس من رفعة الذكرى أجل وأرفع، وما يبهر النفس من رهبة المكان أبهر وأروع، مما يثقل الجسم في توقل هذا الطود العظيم. وكأنما نرتقي في التاريخ وعبرته، ونصعد في جلال الحق وعظمته، ونطمح إلى السماء، لا إلى قنة حراء. ألسنا مقدمين على مشرق النور، ومطلع الحق، ومهبط الوحي، وملتقى السماء والأرض؟ لكأن هذه الأشعة المرتدة عن هذه القمة الملساء العالية بقية من نور الحق تتألق في حراء، أو آي من القرآن لا تزال ترددها الأصداء
صعدنا ثم صعدنا حتى انتهينا إلى صخرة مُظلة، فأوينا إليها قليلاً نستجم ونمسح العرق. ثم رقينا تتلوى بنا الطريق ذات اليمين وذات الشمال حتى بلغنا مستوى فيه حوض كبير طوله ثمانية أمتار وعرضه ستة وعمقه أربعة، بعض جوانبه الصخور، وبعضها جدار من الحجر، تجتمع فيه مياه المطر. وقد صادفنا فيه ماء صافياً بارداً فشرب من شرب وتوضأ