وقعت هذه الواقعة من نحو ثلاثة عشر عاماً، وكنت طالباً في مطلع الشباب. كان الأستاذ كامل كيلاني قد أصدر كتاب (أساطير ألف يوم) فكتب الأستاذ المازني نقداً له في جريدة (البلاغ) وكنت د قرأت الكتاب فسررت من قصصه وأعجبني أسلوب المؤلف في سياقتها. فلما قرأت نقد المازني له بدت لي أوجه في الرد عليه، فكتبتها وبعث بالرد إلى (البلاغ) فنشرته ونشرت معه تعقيب المازني عليه. وقد ساءني من التعقيب أنه لم يتضمن تفنيد شئ مما أوردته في الرد، ولو أنه سفه كلامي وبين فيه وجه فساد أو قال مثلا إنه يدل على عدم الفهم أو نحو ذلك، لكان الأمر أهون عليَّ مما وقع. . .
ذلك أنه ألمع إلى أن للأستاذ كامل كيلاني يداً في الرد إن لم يكن كاتبه، وزاد على هذا أن ذلك مما يزهده في نقد الكتب وأنه سيمسك عن هذا النقد. . .
كدت أجن من ذلك، وامتلأت نفسي سخطاً على المازني، فكتب رداً على ذلك التعقيب ناقشه فيه مناقشة عنفت فيها، ومما قلته إنه لا ينبغي أن يكتب ما يكتب ثم يعتصم مني في (قلعة التقديس) وأذكر أن كلمتي تضمنت هذا اللفظ بعينه، وتوجهت إلى دار البلاغ، وقصدت إلى مكتب المازني حيث ألقيته، فدفعت إليه الرد وأنا أنظر إليه نظرة معناها: هأنذا فهل تريد أن تعرف أني صاحب الرد الأول؟
وتناول المازني ردي وألقى عليه نظرة خاطفة، ولم يرد على أن قال:(طيب حاضر) فسلمت بالإشارة منصرفاً كما فعلت مقبلا. ورضيت نفسي بأن أبلغته الرد، وقلت يستوي بعد ذلك أن ينشره أولا ينشره، المهم أني جابهته بما أريد.
وفي اليوم التالي رأيت كلمتي منشورة في البلاغ بحذافيرها وفيها ما فيها من عبارات القاسية الموجهة إلى فقيدنا اليوم.
اغتبطت بنشر الرد، ولكن خاطراً قلل من قيمة هذا الاغتباط في نفسي: أيكون الرجل قد استهان بي وأراد أن يدلل على أنه لا يحفل بمثلي مهما كتب؟ ولكن ألا يكون ذلك من قبيل الإفساح لحرية الرأي؟ ترددت بين هذا وذاك، ولكن الأمر المحقق الذي لا شك فيه أني