زوجة مدير الفندق يوغسلافية حسناء، يحلو لها أن تلبس في ساعات العمل القميص الرياضي الأبيض، والبنطلون الرمادي الطويل، وأن تسرح شعرها وتصففه على الأسلوب الغلامي الفاتن فتكون أشبه الناس بأبناء الذوات حتى في النتوءين الجميلين المكورين في أعلى البطن وفي أسفل الظهر. ثم يعجبها ويعجب الناس أن تمشي البخترة في الشرفة أو في الردهة أو في البهو فتوزع التحيات والبسمات على من تعرف ومن لا تعرف من نزلاء الفندق. فأينما تمر ينبثق منها على القعود الخمود أشعة من الصبا والفتوة فلا تجد غافيا إلا صحا، ولا غافلا إلا وعى، ولا مغضيا إلا فتح عينيه، ولا ساكنا إلا رفع يديه، ولا شيخا إلا تمنى أن تقف لحظة على طلله فتسأله كيف أمسى وكيف أصبح!
كانت تصد عامدة عن الشباب وأشباه الشباب حتى لا تفسر نظراتها وبسماتها بغير المجاملة التي تقتضيها طبيعة عملها من مواساة المريض ومؤنسة الوحيد ومباسطة المنقبض؛ ولكنها كانت تؤثرني بقسط موفور ِهذه المجاملة الغزلة، وتعلل هذا الإيثار بأنني مصري وهي ترتاح لهذا الجنس، وبأنني حي وهي تطمئن إلى هذا الخلق.
أقبلت على ضحى اليوم إقبال الربيع في لونه وحسنه وعطره، وكان المرض ساعتئذ قد أحرج صدري وأفرغ صبري وتركني لا أتقار من الضجر، ولا أنفرج من الضيق. فلم تكد تحيي وتجلس حتى أحسست في جسمي ذلك الخدر العجيب الذي يسكن الألم ويحرك النفس. ثم أخذت تساقطني أعذب الحديث حتى جرى ذكر هذه الطغمة التي تنعم بخير مصر وتنكره، وتنتشي برحيق النيل ثم تعكره؛ فقالت لا تعجب أن يجحد هؤلاء اللئام فضل مصر؛ فإن منفعتهم قائمة على أن تظل موسومة بالعجز موصومة بالجهالة! لقد خالطت بحكم عملي أنماطاً شتى من الأجناس فلم أجد أنبل فطرة ولا أسجع خليقة ولا أندى راحة من المصري الأصيل القح. أتذكر ذلك الرجل البذيء الذي كنت تجادله بالأمس في مشكلة فلسطين؟ إنه أغنى أرمل في يهود الإسكندرية. ومع ذلك طمع يوم نزل الفندق أن ينام دون أن يأكل؛ فلما أبينا عليه ذلك اتفق مع يهودية مصدورة تقيم في إحدى الغرف المفروشة على أن تشترى غداءه وعشاءه بستين قرشا؛ ولها فوق البيعة أن تتمتع بشمس الفندق