لست أقصد بحرية الكتابة ما يقصده كتاب السياسة حين يكتبون عن
الصحافة والصحف، وما يجوز للصحف أن تتعرض له وما لا يجوز
لهل الخوض فيه، وانما اقصد ذلك القدر من الحرية الذي ينبغي أن
يتمتع به الكاتب الأديب حين يكتب مقالته أو ينشئ رسالته، وأسأل:
أهو قدر غير محدود؟ وهل هي حرية غير ذات نهاية أو حد؟ أم هو
قدر من الحرية مهما اتسع أفقه وطال قطر دائرته فإن له حداً لا ينبغي
للأديب أن يتجاوزه، وقواعد لا ينبغي له أن يطغى عليها فيمحوها أو
يغير منها؟ وقد دعاني إلى هذا التساؤل ما قرأته في العدد الأخير من
الرسالة للأديب الفاضل حبيب شماس يخاطب فيه الدكتور هيكل بك
فبقول له:(اغلط واكثر من الغلط الموهوم وكسِّر من هذه القيود التي
كسر بعضها من قبلك طه) ويختمه بقوله: (ان أغلاط أكابر الكتّاب هي
صك تحرير النشء الصاعد)
وليست المسألة أن يخطئ الدكتور هيكل أو يصيب، ولا أن يكسر الدكتور طه قيودا من قيود الأدب او يتركها تغل الأيدي والأقلام وإنما المسألة مسألة اللغة العربية وما وضع لها من قواعد وحدود، كما وضع لغيرها من لغات العالم كله، فان هذه الأغلاط والأخطاء إن أبيح للدكتور هيكل وغيره من كبار الكتاب ان يقعوا فيها، فليس لأحد بعد ذلك أن يحضر على النشء الصاعد ما أبيح للنشء الذي صعد، وسيحاول أولئك المخطئون من النشء ان يبرروا أخطاءهم كما يفعل كبار كتّابهم وقادتهم من الأدباء، ولكنهم عندئذ لن يقدموا دليلاً على صحة ما كتبوا كما لم يقدم أكابر الكتاب دليلا على صحة ما كتبوا، وانما سيؤول الأمر في ذلك كله إلى إرادة الكاتب وهواه، وسنعود في قواعد اللغة العربية إلى مثل ما نحن فيه الآن من خلاف للنقد الأدبي، أهو قائم على قواعد وأسباب بعينها، أم هو قائم على الذوق وحده؟ وسيرى كلُ في اللغة العربية ما يريد، هذا يرفع المفعول وذاك ينصبه وذاك يجر