للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلى أين يُساق الأتراك؟

مَنِ السائرون في شحوب الأصيل على حدود المغرب، يسرعون الخطى كأنهم هاربون من النهار، ولا يلتفتون إلى الخلف كأنهم ناجون من سَدُوم؟! مَنِ السائرون بين النور والظلام على الدرب الخادع المبهم، يخفقون كأطياف المساء على حواشي الطفل، ويمسون الطريق من الوراء حتى لا يرجعوا إلى الأهل؟! إنها أمة من صميم الشرق نشأت في نوره، وطبعت على شهوره، وتنفست في عطوره، ألقت زمامها الأقدار الغالبة في يد عصبة من أبنائها، رُبُّوا في غير أحضانها، فنشأوا على غير منشئها، وجروا على خلاف مبدئها، فقطعوها بالكره عن مشرق الشمس ومبعث الروح ومنبت العاطفة ومنشأ الدين، وخرجوا بها متعسفين إلى طريق مشتبهة، وغاية مريبة، ودنيا مجهولة؛ ثم قالوا لأنفسها انسلخي عن شرقيتك بأمر القانون، ولقلوبها اعتقدي غير عقيدتك بحكم القوة، ولألسنتها أنطقي غير لهجتك بإرادة الحاكم، ولحاضرها انقطع عن الماضي بسطوة الجمهورية، ولأرضها وبيئتها وطبيعتها انفصلن عن آسيا بإذن الحكومة! كأنما الأمم تصاغ بالقوانين، والطبائع تغير بـ (الأوامر!!)

مهلاً ساقةَ الظعن وهُداة القافلة!! سترحلون عن وطن إلى غربة، وعن ولاء إلى عداوة، وعن إخوة إلى سادة. ماذا نقمتم من الشرق مهد الإنسان ومهبط الأديان ومنبع الإلهام ومسرح الأحلام ومبدأ النشأة؟ ألم يخلق اليابان اليوم كما خلق الصين والهند وبابل والفرس والعبران والعرب بالأمس؟

إن شمس المدينة أرسلت علينا أول أشعتها في صبح الوجود، ثم متَعَ ضحاها فغمرتنا بالنور والشعور والقوة، ثم انحدر إلى المغيب في بلاد المغرب حتى بلغت خيوطها أطراف الشفق! إنها ستغرب لا محالة، وإنها ستشرق لا محالة، وإن غروبها لا يكون إلا هناك، وإن شروقها لا يكون إلا هنا. فلم لا تنتظرون معنا يا بني العم طلوعها الجيد القريب على موطنها الأول؟

لقد ذر منها كما ترون على اليابان أشعة، وبص منها الساعة على مهاد العروبة وبلاد الإسلام شعاع! وعما قليل يسطع في أقصى الشرق وفي أدناه وهجُها وسناها، فتهتز الأرض من جديد وتربو، ثم تتشقق عن العبقريات التي ارتجلت الحكمة، وإكتشفت المعرفة، وسنت الأخلاق، ودفعت مدينة الإنسان إلى مداها البعيد

<<  <  ج:
ص:  >  >>