قالوا لتركي الأناضول: مالك وللشرق، ومالك وللعرب، ومالك وللإسلام؟ تعال نبحث عن أجدادك في الأولمب، وعن قومك في الفورم، وعن مدنيتك في اللوفر؛ ثم ألزموه أن يلبس القبعة، وأرغموه أن يكتب من الشمال، وفصلوا الدين عن الحكومة، وانتزعوا العربية من التركية، وحرموا الشعب المتدين تقاليد الإسلام، وحرموا عليه أخلاق الشرق، ثم ألغوا العيدين، واستبدلوا بعيد الجمعة عيد الأحد، ثم نقلوا الأمة المروعة المشدوهة على المدرعات إلى الشاطئ الأوربي، ثم أحرقوا من ورائها سفائن طارق!
على أن التركي الأصيل الذي استضاء بهدى الإسلام، وتثقف بعلم العرب، وساهم في مجد الفتوح، لم يَصْغَ قلبه لهذا التغير المفروض، فظل فؤاده حيث طبعه محمد الرسول، وجسمه حيث وضعه محمد الفاتح!
أما موضع الخطر فأولئك النشء الذين قست عليهم الحرب، وبغت عليهم السلم، فحصروا علل أخطائهم وأسباب أرزائهم في معنى الخلافة فنفوها من الأرض، ثم أفرط عليهم العداء فتحيفوا ما يلابسها من شرقية وعروبة ودين؛ أولئك سيزهقون في حاضرهم روح الماضي، ويقطعون عن ضمائرهم صوت التاريخ، ويبنون قوميتهم على أسس مستعارة، ويجددون شخصيتهم على تقليد طائش، ويخضعون عقليتهم لعبودية قاتلة، ثم يتنفخون بالصوت الرفيع المدل: أن تركية للترك! فيقول لهم الدهر الساخر: نعم، وإن الترك لأوربا!
فخامة الغازي العظيم أتاتُورك! لقد جبرت الجناح المهيض، وأحييت (الرجل المريض)، وأنقذت من براثن العوادي السود تركية الفتاة، ما في ذلك شك، فاسمك العزيز عنوان تاريخها الحديث، وعزمك الجبار قوام دستورها القائم، وروحك الوثاب سناد مستقبلها الطارف، ولكنك ظلمت تاريخك الخاص بمخالفة الطبيعة في التجديد، ومجانبة المنطق في الاصلاح. أخشى أن يسجل الرقيب الذي لا يغفل أنك أحييت دولة وأمت أمة، وبنيت دستوراُ وهدمت عقيدة، وبعثت لغة ودفنت ثقافة!
ما جريرة العرب على الترك وقد استخلفوهم على الدين واستأمنوهم على الرسالة؟ وما جريمة الإسلام على الترك وقد نعشهم من الخمول وأخرجهم من الجهالة؟ وماذا يبقى من الترك ولغة الترك وثقافة الترك إذا محوت أثر العروبة ودينها من كل ذلك؟
إن العرب ليسوا أقل شأناً من الطليان والجرمان، والإسلام ليس بأضعف في رفع الشعوب