السلام عليك ورحمة الله، وبعد فإني أحمد الله إليك وأستعينه وأسأله لك التوفيق والسَّداد. أبيت أيها الرجل إلاّ كرماً من جميع نواحيك، فما كدت تستقبل العام السابع من عمر (الرسالة) حتى عُدْتَ عليّ بفضل من ثنائك وحسن ظنك، فذكرت (العصور) ثم أثنيت فأغنيت.
لقد وافتني كلمتك، وأنا بعد أنفض عن يديّ غبار (العصور) وأتخفف
من أثقالها التي حملتها راضياً غير كاره، لأنقلب إلى هذه الغرف
العزيزة التي نشأت في حجور الشيوخ من سكانها أستخبرهم علم ما
أجهل، وأستنبئهم أخبار ما مضى، لأستوحِيَ الظن فيما يستقبل، وأجدد
بعاديِّ قوتهم قوة النفس التي لا تهدأ ولا تنام.
لا بد من كلمة - أيها الشيخ الجليل - وقد كان الصمت أولى بي وأحبّ إليّ. لا بدّ من كلمة أعتذر بها للذين استقبلوني بفرحة المحبّ أمتع باللقاء على غير ميعاد. فأنت تعلم أني اليوم عزمت على إصدار (العصور) لم أكن قد أعددت لها من مال إلا ما ادخرته في نفسي من جهد أعوام طالت في معاناة العلم والأدب، وبقية من خلق ضننت بها أن تذيع في أطرافها ونواحيها مهزعات العصر الحديث التي صرّفت الأخلاق في وجوه الغي والضلال، وأطلقت دنيات الغرائز من عقال الشرائع، وأرسلتها ترعى حمى أبى الله ورسوله أن يكون مرعى لمن آمن بالله واليوم الآخر.
ولكن لا بد من مال مسكوك معترف به، مصدّق على الاعتراف به من (محافظ البنك الأهلي)، وإن قليل ما عندي من هذا المال لا يغني غناءه في عمل أوله استهلاك بغير نتاج وأنت أخبر بهذا الأمر. فلم يبق إلا الصديق الذي يعين على نوائب الحق. . . فبدأنا إصدار (العصور) يعولها الجد من قبلي، والعون من قبل الأصدقاء الكتاب من أصحاب مذهبنا، والمدد من (جيب) الصديق الذي أبدى بشاشته، واستظهرها بعاجل البر، وسرنا على اسم الله. فما كان إلا كلا ولا حتى قلت كما قال الأول: