للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صفحة سوداء:]

الاستعمار الهولندي يعتدي على جمهورية إندونيسيا الجرة

للأستاذ أحمد رمزي بك

قضى الأمر ووقعت الواقعة، وسالت الدماء في ربوع إندونيسيا بعد أن خيل إلى كثيرين أن دعائم الاستقلال قد وطدت وأن أعلام الحرية قد رفعت فإذا نحن بعيدون عن ذلك اليوم وناسف مرة أخرى أن يقع بعض ما تنبأنا به، فقد جهزنا بالقول: أن الدول الاستعمارية أشد اليوم تمسكا بسلطانها من أي وقت مضى، وإنها تسالم الحركات القائمة وتسايسها وتخضع لبعض مطالبها لكي تتم أهبتها وتستعيد قوتها ثم تضرب الشعوب القائمة ضربات حاسمة؛ وأن أوروبا تنتظر حتى تضمد جراحها وتجمع شملها وسيكون لها مع الأمم الناهضة موقف جديد. فعلينا أن نستعد لذلك اليوم.

وفي حديث طويل مع ويلكي الأمريكي الذي جاب العالم والتقيت به في منزل قنصل أميركا حينما أتى بيروت صارحته بما أعتقد وقلت له: أن كيان الدول الصغيرة واستقلالها مثل بلجيكا وهولندا والبرتغال يستندان على المستعمرات، وأن اليوم الذي تنال فيه الشعوب المظلومة المغلوبة على أمرها، شيئا من الحكم الذاتي أو التمتع ببعض ما يتمتع به الإنسان في القرن العشرين من حرية واستقلال ونهضة، تزول فيه هذه الدول الصغيرة من الوجود وتصبح أما ولآيات أو مدنا ساحلية، لأن بقاءها يعتمد على حكمها للمستعمرات واستغلالها لأرضيها وتحكمها واستبدادها بملايين من عباد الله، فهل في نظام العالم الجديد ما يسمح بتحقيق هذه الأهداف؟ فلم أسمع جواب من الزعيم الأمريكي.

ولقد مضت سنوات على هذا اللقاء وانتهى عهد روزفلت وويلكي وهما في مقدمة الرجال العالميين الذين سيذكرهم هذا الكوكب المسمى بالأرض، لأجيال قادمة وتبدلت في أثنائها شؤون الكون وتغيرت انهارت مبادئ وأفكار وأراء وأنظمة بنيت على الطغيان والجبروت، ولكن مظاهر الطغيان والجبروت لا تزال قائمة وطيدة الأركان في بقاء هذه الدول الصغيرة تحكم الإمبراطوريات الضخمة وتتحكم في مصير الشعوب المظلومة، واغرب المتناقضات وابلغه بروزا هو أن العالم الذي قام يحارب الطغيان والظلم يقر بحق هذه الدول الصغيرة ويعترف بسيادتها على هذه البقاع ولم يقف ليحول دون تعديها. لماذا؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>