للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عهد]

لصاحب العزة الأستاذ محمد محمود جلال بك

- ٢ -

يعجب المرء حين يرجع لنفسه أثر صدمة أو مرض أو ذكرى فيجد فيما يشغل قلبه أو باله اتجاها جديدا أو لونا آخر لا يكاد يختلف عما يشغله، بل هو في واقع الأمر منه في أساسه أو على صلة يصعب فصمها. وكيف يتجلى هذا اللون أو يأخذ به ذلك الاتجاه ومنذ وقت قريب كان غامضاً أو كان مع الوجود عدماً.

ومرت أيام بور سعيد كعمر الحاسد الشافي سراعا، على حد قول المرحوم شوقي بك، وكلها ملأى بحديث الشاعر الشاب وما لونت من ذكراه محض المصادفة من لقاء الشاطئ الجميل ووفاء الأخ النبيل بقاع لم تطأها قدمه. فبلده على بحر يوسف، وذكره ينثر حياته النادرة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بينما فرت روحه في جنات النعيم.

وفي خضم الذكريات وتداعي المعاني ذكرت حديثاً له معي أصيل يوم صائف في شرفة السلاملك ببلدتي (القيس) وقد جاء يزورني في سنة ١٩١٧ أو سنة ١٩١٨ زيارة كإحداها بيننا تسجل امتداد الوداد القديم الذي ربط الآباء كما ربط الأجداد من قبلهم.

ذكرت على شيء من الغموض إشارته ذلك اليوم إلى اعتزام صديق من أهل بلده جمع قصائده في ديوان. . . وأن الشيخ عبد الوهاب النجار قد يقدم له بكلمة. ومع توالي زياراتنا بين الريف والقاهرة لم يذكر بعد ذلك شيئاً في هذا الشأن.

كان شديد الحياء جم التواضع. ولست أشك أن هذا الخلق هو الذي قام دون إهدائه إلي نسخة من الديوان، وكل ذلك مهد لما أعده تقصيراً مني في جانبه.

مضت سنوات على وفاته. وبعد قليل لحق به أخو الأكبر الذي قام على تربيته وتدبير أمره. فأين السبيل إلى ذلل الكنز؟

غير أن شعوراً بالثقة وإيمانا بأن الله مثيب النيات الصالحة باعد بيني وبين اليأس مما قصدت، وكلما لاحقتني صعاب أثناء تفكيري لاحقها لطف من الله بنور الأمل.

وكيف لا يكون ذلك وقد ذكرت فحملت عهداً محبباً إلى النفس أن تقي به مهما كلف من مشقة. وهل يحس المرء مشقة في أداء عهد؟ ذكرني به صديق وفي عهد به إليه راحل

<<  <  ج:
ص:  >  >>