دلف نوح علية السلام إلى الصين يسعى بعد الطوفان، وله في الاشتغال في هذا البلد بالحرير ذكر، إذ يقول بعض المؤرخين إنه هو أول من اهتدى إلى الحصول عليه. وسواء لدينا أكان هو أم كان غيره - مادمنا لم نثبت من ذلك بعد - إلا أن الذي لا ريب فيه أن (الصين) هي أول بلد اشتغل بالحرير؛ بل واسم بلاد الصين ذاته معناه بالصينية (الحرير).
ويعزو التاريخ الفضل الأكبر في انتشار الحرير بالصين إلى زوج الإمبراطور الصيني (فوهانج عام ٢٥٠٠ قبل الميلاد)؛ ويسند التاريخ إليها أيضاً اختراع (المنوال) ونسج الحرير.
ومنذ القدم والحرير يقدر بقيمة عالية. فلقد كانت الممالك: كالهند وإيران واليونان وروما تدفع فيه للصين عن طيب خاطر ما يزيد على وزنه من الذهب.
وكانت الصين تسعى جهدها ألا تتمكن مملكة أخرى من الاهتداء إلى طريقة الحصول عليه. ومن الطريف أنه إذا استعلم الأجانب منهم عن ذلك مكروا بهم وأجابوهم بأن الحرير هو من (وبر الغنم) خلطت به ألياف رفيعة ووضع في الماء تحت أشعة الشمس في فصول معينة من السنة. حتى إذا ما سويت هذه الخيوط بعد ذلك إذا بهم يحصلون على الحرير.
ومما يثير الدهشة أن تمكن الصينيون من كتم هذا السر عن العالم لحقب طويلة إلى أن كان القرن الثالث بعد ميلاد المسيح. وكانت اليبان بطبيعة موقعها وجوارها للصين ترى تلك التجارة العظيمة في الحرير التي تدر على الصين الخير كله، صح عزمها على اكتشاف هذا السر بالغاً ما بلغ الجهد منها، وكانت على اعتقاد جازم بأن الصين تمكر بالعالم إذ تذيع تلك القصة السالفة التي ابتكرها خيالهم بأن الحرير أصله وبر غنم. أوفدت جواسيس لها إلى الصين أسروا بنات أربعا يشتغلن بالحرير، واختلسوا ما تمكنوا من الاهتداء إليه من دود الحرير. وعادوا بالأسيرات إلى اليابان، وهناك علمنهم أن الحرير إفراز خيطي من ديدان الحرير في أحد أطوار حياتها، وعلمنهم أيضاً كيفية استغلاله.
ومن ذاك اليوم والسر عن نطاق الصين قد خرج والاتجار بالحرير في اليابان ينمو ويزدهر، ولعل اليابان اليوم أقوى أمم الأرض في التجارة بالحرير.