ترهف الآذان لكل صوت شجي، وتنجذب العواطف شطر النغم الموسيقي، وتخضع القلوب مأسور ولألحان الجرس التوقيعي.
وهكذا الطبيعة في جمالها ورونقها، في صخبها وسكوتها. في عبوسها وضحكها، في إشراقها وحلكتها، في تغيراتها البديعة المفاجئة إنما تبعث في النفس الحب والهيام وتشع في الروح الفتوة والكمال.
الطبيعة برعدها القاصف ما هي إلا خطر يهلع له قلوب البعض وتقشعر له أبدان الآخرين.
والطبيعة في تغاريد طيورها وحفيف أشجارها ما هي إلا وحي عطوف يستمد الشاعر منها إلهامه، ويعب الكاتب منها لخيلائه ويراعه.
فإذا كان الكاتب ملهما، وله من الحواس النشطة ما يحمل إلى خبايا اللب من الداخل صورة لطيفة وطابع جميل فهو يعيش في نعماء هذه الحياة يعبر إذا ما كتب عما يخالج نفسه، ويجول في فؤاده من تلك المناظر الطبيعية الخلابة، وأما إذا كان لا يعبأ بما يحوط به من أجواء ولا يحاول أن يستلهم من الطبيعة مادة لقلمه فهو جاف الشعور فاتر الإحساس مبتور القول والخيال.
فالطبيعة تنشد الموسيقى، وأنغامها تهتز لها الأجواء وتترنح لها دوحات الأشجار وترقص لها الطيور. والإنسان بفطرته تستهويه هذه الأنغام، وتملك عليه ناصية رشده، وزمام عواطفه فإذا قرأ رسالة منسقة، منسجمة في مقاطعها ونبراتها، تاه في خيلائها، وأخذ ينشط في تلاوتها وحذقها. وقد لا يهدأ روعه وتخمد ثورة جشعه في بعض الأحايين إلا إذا أعاد قراءة هذا المقال مرة ومرتين. فإذا ما بلغ قصده من قراءاته إلا متكررة يكون عقله الباطن قد اصطفى ما راق لذوقه وعذب لنفسه. فلا يشعر بعد ذلك وهو في خلوته وكتاباته إلا مكررا لبعض ما استساغه، وقويت ذاكرته على استخلاصه.
كل ذلك وهو في نشوة من الفرح والارتياح، وكل ذلك وهو على يقين بأن قبس ذلك النور الذي أشرق على خيلائه وذاكرته إنما هو راجع إلى ذلك الأسلوب الموسيقي العذب.