فللاتساق والجرس وقع في النفس عظيم، وللجرس في توقيعه وأنغامه ما يجذب لب القارئ ويستهويه. وإذا الاولى، والتي نعمل أساسها في إيثار كاتب على أخر.
هذا ويدلنا علم النفس على أننا نذكر دائما كل حسن وجميل وأنه يعلق بذاكرتنا كل نغم لطيف بخلاف الأقوال المبتذلة التي تلوكها الألسنة بين حين وحين، فانه كثيرا ما يعاف القارئ تلاوتها وتأنف النفس توفير أسباب النشاط لاستيعابها وصونها. فإن غلب على القارئ الامر، وأجبر على النظر إلى مقال من هذا الطراز إنما يخرج منه وقد ألفى نفسه يرغي ويزيد لما لحقه من النكد وسوء الطالع لتصديع النفس بقراءة كلمات مرصوصة نابية، لا تنم حسن ذوق أو فصاحة بيان
هذا ولا يحتاج الكاتب إلى استهداء العبارات السلسة ذات الجرس الموسيقي واستندائها فهي تأتي مع السليقة والمران، تأتي مع القراءة لفحول الكتاب ونوابغ الشعراء، وهي بهذا تأتي محمولة على الطبع غير متكلفة.
وهذا ولا شك يعد أعلى درجات الكلام. فإذا تهيأ للكاتب أن يأتي به في كتابته كلها على هذه الشريطة فانه يكون قد ملك رقاب الكلم يستعبد كرائمها ويستولد عقائمها.
والألفاظ تجري من السمع مجرى الأشخاص من البصر. فالألفاظ الجزلة تتخيل في السمع كأشخاص عليها مهابة ووقار، والألفاظ الرقيقة تتخيل الأشخاص ذوي دماثة ولين أخلاق ولطافة، وما مثال الكاتب الذي لا يشعر بوقع أنغام العبارات الشجية في أعماق قلبه وبجرسها الموسيقي في صميم فؤاده إلا كمن يسوي بين صورة زنجية سوداء مظلمة السواد شوهاء الخلق ذات عين محمرة وشفة غليظة كأنها كلوة، وبين صورة فتاة هيفاء فاتنة الجمال ذات وجه مشرب بالحمرة، وخد أسيل وطرف كحيل، وثغر فاتن، وقد مياس.
فإذا كان بإنسان من سقم النظر أن يسوي بين هذه الصورة وهذه. فلا يبعد أن يكون به من سقم الفكر أن يسوي بين الألفاظ الممجوجة العادية والألفاظ المنتقاة الموسيقية، ولا فرق بين النظر والسمع في هذا المقام. فإن هذا حاسة وهذا حاسة، وقياس حاسة على حاسة مناسب.
يقول (أبركروسي) ولابد للأديب أن يعرف كيف يجمع في فنه كل ما احتوته الألفاظ من قوة التعبير والتصوير، وكل ما من شأنه أن يساعد على التوصل بحيث يستثير الخيال، ويصرفه كيفما شاء. ويجب أن تكون الألفاظ قوية التعبير لكي تستطيع الإبانة عن تجارب