الصراع بين الطغيان والديموقراطية ومحنة الديموقراطية
المعاصرة
بقلم مؤرخ كبير
منذ نحو قرن ونصف كانت ريح الثورة الفرنسية الكبرى تهب على الملوكية الفرنسية، فلما انفجر بركان الثورة بعد ذلك بنحو عامين أو ثلاثة، سقطت الملوكية الفرنسية وكل صروحها ونظمها القديمة صرعى الفورة المضطرمة، ولكن الثورة الفرنسية لم تقف عند حدود فرنسا، ولم تقف عند سحق الملوكية الفرنسية، ولم تلبث أن غدت ثورة عالمية ترتجف لها كل العروش والنظم في أوربا القديمة، وتتحد جيوش أوربا القديمة قلى مقاومتها وإخمادها. ولكن جيوش أوربا القديمة ارتدت منهزمة أمام القوى المعنوية الجديدة الني تضطرم بها جيوش الثورة؛ ولم تسحق الثورة أمام العدو الخارجي، ولكنها سحقت في غمر من المعارك الداخلية على يد قادتها وزعمائها أنفسهم، ولم تلبث أن استحالت إلى حركة خانعة ذلول تحملها موجة من الطغيان العسكري لتحقيق نفس الشهوات القومية والمبادئ المطلقة التي قامت لسحقها.
غير أن الثورة الفرنسية تبقى مع ذلك حركة تحرير عالمية، بل هي من بين الثورات التحريرية الكبرى أوسعها مدى وأبعدها أثراً في تاريخ الإنسانية؛ ذلك أنها قامت قي الأصل على حقوق الإنسان، وجعلت غايتها تحرير الحقوق والحريات العامة من أصفادها، وسحق كل النظم الطاغية، وتقديس الفرد وحقوقه، واعتبار الدولة خادم الأمة في مجموعها، وخادم الفرد والأمينة على حقوقه ومصالحه؛ ولهذا كان ظفرها عظيما، وأثرها عميقا في بث المبادئ الديمقراطية والتحريرية في أمم أوربا القديمة؛ ومنذ فاتحة القرن التاسع عشر نجد معظم الأمم الأوربية التي تسودها النظم المطلقة مثل روسيا القيصرية، وإمبراطورية النمسا والمجر تجيش بفورات تحريرية متوالية، وتطالب بإقامة النظم والدساتير الحرة، ونجد الملوكيات القديمة المطلقة تجد بكل ما وسعت في قمع هذه الحركات التحريرية.
وقد تجلى هذا الصراع بين الطغيان والديمقراطية على اثر سقوط نابوليون وسحق الفورة