الوجه الثاني لوظيفة الدين المزدوجة أنها وظيفة سلبية. فإذا كان الدستور المدون للجماعة الدينية يسهل تكافلها ويسعى لتحقيقه ويذود عن حماه إزاء المتشكك والثائر فإن طبيعة هذا التكافل في الجماعة الدينية تفصلها روحيا واجتماعيا عن الجماعات الأخرى التي تعيش في المجتمع الأكبر (الوطن أو العالم بأسره).
فلقد رأينا في مقال سابق من هذا البحث أن السلوك الديني ليس فرديا فحسب، بل هو جماعي كما شرح ذلك علماء الاجتماع والأنثرولوجيا. وحتى لو اقتصر السلوك الديني على الفرد واختياره الخاص فإن ذلك لن يحول بينه وبين أن يصبح جزءا من السلوك العام الذي يشوب حياة الجماعة الدينية التي تؤمن بنفس العقيدة التي يؤمن بها ذلك الفرد وتختبر نفس الاختبار الديني الذي يختبره. بل الواقع أن هذا الاندماج أمر لا مفر منه مهما تعمد الفرد تفاديه.
فعناصر السلوك الديني على نوعين - كما رأينا - روحية واجتماعية. . حتى لو أنكر بعض الناس وظيفة الدين الاجتماعية وقصروها على الاختبار الروحاني (علاقة المرء بربه) فإن المشاركة في الاختبار الروحاني والوجداني تستوجب الاندماج في السلوك الجماعي.
فإذا أعجب أديبان أو أكثر بشاعر أو فنان أو فيلسوف وقرءوا له وحفظوا عنه فإنهم يؤلفون مدرسة فكرية تجمع بينهم في صعيد روحي واحد، وهم ولا ريب مدافعون عن هذه المدرسة الفكرية، مبشرون بمزاياها إذا حدث أن تصدى لها بعض الناس بالنقد والتعريض.
والاختبار الديني أقوى ألف مرة من الإعجاب بشعر أو فن أو فلسفة. ولعلنا نلمس هذه الحقيقة في تصدي بعض المسلمين الذين - لأسباب لا يهمنا معرفتها هنا - لا يقيمون شعائر دينهم للدفاع عن الإسلام إذا تصدى له ناقد أو متحامل.
وكم من مرة شهدت جامعات أمريكا وبريطانيا ومحافلها الأدبية محاولة الطلبة وغير الطلبة من المسلمين دفاعا عن الإسلام وتعاليمه مع أن المدافعين في أكثر الحالات لم يؤدوا لله