وتاريخ الاستعمار الأوربي في آسيا وأفريقيا شاهد على تفضيل المستعمر للعناصر التي تدين بعقيدته الدينية أو تمت إليها بصلة في مسائل التوظيف والمشورة والائتمان على السر، وقد لا يكون الدافع لهذا السلوك سياسة مرسومة بقدر ما هو توافق في الاختبار الروحي وحدة في السلوك الجماعي بين الطرفين.
واقتصار السلوك الديني على الفرد وعلاقته بالله شيء لن يتم منعزلا عن الحياة الاجتماعية. فالحياة الوجدانية لا مفر لها من أن تعبر عن نفسها في المجتمع الذي تعيش فيه.
والمرء في اختباره للحياة الدينية منفردا قد يصمت صمتا طويلا قبل أن يعبر عنها في الحياة الاجتماعية ويشارك أهل ملته في سلوكهم الديني الجماعي. ولكن لا مفر له عاجلا أو آجلا من المشاركة في هذا السلوك.
فطبيعة الاختبار الديني عند الفرد يستوجب صياغة مقوماته الخلقية والعاطفية صياغة تماشي وتتحد وتتفق مع المقومات الخلقية التي تشوب بقية أعضاء الجماعة الدينية التي تختبر مثل ما يختبر. وهذه الصياغة لا تقتصر على توجيه الفكر والوجدان فحسب، بل تشمل أيضاً الحياة العملية والنشاط الاجتماعي.
ولقد عالج هيجل أحد دعائم الفكر الغربي الحديث هذه الناحية الدينية في مقدرة فائقة فتأثر بأن لكل عقيدة دينية (روحاً) تنفرد بها عن بقية العقائد، ومرجع ذلك إلى أن السلوك الديني هو عنصر من أهم مقومات الخلق القومي. ولعل رسوخ الإسلام وتعاليمه في عقليات الشعوب التي دانت به وأثر هذه التعاليم ومبلغ نفاذها إلى صميم الحياة الروحية والاجتماعية لتلك الشعوب على اختلاف حكوماتها الخلقية من عربية وفارسية وهندية وصينية هو الذي خلق هذه الحضارة الإسلامية التي تعرف إلى الآن بها شعوب الإسلام على اختلاف لغاتها وبيانها وظروفها وأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
والقول بأن الاختبار الديني يمكن أن ينحصر في السلوك الفردي تنفيه حقيقة أخرى؛ وهي أن كل دين من الأديان الكبرى يبشر بوحدة اجتماعية عالمية تنطوي على توجيه السلوك الإنساني في شتى نواحيه توجيها يتفق والأسس الجوهرية لتعاليم ذلك الدين. وهذه الوحدة