الاجتماعية العالمية التي يدعو إليها الدين نصا وروحا وإن كانت لا تتحدى تحديا مباشر الإيديولوجيات الاجتماعية الأخرى التي تدعو لها الأديان الأخرى، إلا أنها تقف منها موقفا أقل ما فيه أنه سلبي من النوع المشحون بعوامل الانفجار كما قال جورج ميد المفكر الأمريكي الشهير والتاريخ على الأخص - تاريخ الحروب الدينية - ملئ بالشواهد على هذا الصراع السلبي الذي يؤدي فيه الدين دورا خطيرا عند الضرورة.
ومهما أحسن المجتهدون في تعليل سماحة الأديان التي ينتمون إليها فإن اجتهادهم يكاد ينحصر فيما عبر عنه (ماكس ديبر) تعبيرا جامعا حين قال: -
(إن اختبار الجماعات الدينية ينظر إلى العالم بمنظارين، وأحدهما يرى فيه الألوهية والقداسة، والآخر يرى فيه الأشياء وطبائعها المادية، ولو توفرت (التقوى) وحدة الاختبار الديني عند جماعة ما ونظرت إلى العالم - على تنوع أديانه وتشعب جماعاته الدينية - نظرة ملؤها التفاؤل والبشر والسماحة والرضا، إلا فإن مثل هذا التسامح في رأي الوعي الباطن على الأقل لدى تلك الجماعة محصور ومقيد ومقصور عليها (على تلك الجماعة) وعلى العقيدة والسلوك الديني الذي تمتثل له.
وهذا التسامح السلبي قد يتخذ في بعض الأديان لونا رقيقا ويأسف لضلال الكافرين ويطلب المغفرة لهم. وقد يتخذ لونا عنيفا فلا يرى في ذلك الضلال إلا كفرا وزندقة رسولها الشيطان ودستورها الإلحاد ودعوتها الفساد.
وفي كلتا الحالتين فإن العالم ميدان لهذا الصراع. وسواء كان الصراع لرد الكافرين عن ضلالهم أو للحيلولة بين الضلال وبين أن يمس كيان الجماعة الدينية (المؤمنة) فإنه صراع على كل حال، ومهما كان سلبيا فإن الاحتكاك منطو في ثناياه.
وعلى سبيل المثال - ومع مراعاة التفرقة الجوهرية بين العقائد الدينية والنظم الفكرية - فإننا نستطيع أن نستشهد بحاضر الصراع بين المذاهب الفكرية والمعاصرة بين الاشتراكية السوفييتية والديمقراطية الغربية.
فالاشتراكية - وهي بمثابة العقيدة الدينية لأتباعها - لا ترى في خصومها من دول أوربا وأمريكا إلا ضلالاً وشراً. وهذه الدول بدورها ترى في الاشتراكية الماركسية تحديا للأسس المسيحية التي بنيت عليها حضارة ديمقراطيات الغرب فوق أنه تحد للنظم الاقتصادية