والسياسية التي تعيش في تلك الديمقراطيات. ولطالما ادعى أقطاب كلتا الكتلتين السوفييتية والغربية أن في العالم متسعا لكلتيهما، وقد يكون في مثل هذا الدعاء صدق وإخلاص إلا أن طبيعة الصراع السلبي بينهما تدفعهما دفعا إلى الاحتكاك المسلح على النحو الذي نعلمه جميعاً.
وقوة هذا الصراع السلبي بين الجماعات الدينية المتباينة عقائدها وضعفه يتوقفان إلى حد كبير على مبلغ ما تعلمه بعض تلك الجماعات عن عقائد بعض. والمرء كما قال الحكماء عدو لما يجهل.
فالإسلام وأهله مثلا يفخرون بأنه دين التسامح؟ وفي القرآن والأحاديث نصوص بينة على تأمل هذا التسامح في التعاليم الإسلامية، ولكن الميزة الكبرى في الإسلام أنه يشرح في صميم القرآن والحديث والاجتهاد بعض الأسس الجوهرية لليهودية والمسيحية ويعترف ببعض مزاياها وفي طليعتها مزية التوحيد. ويعترف الإسلام كذلك بأنه جاء متمماً لا ناسخا لتعاليم إبراهيم وموسى وعيسى. والمسلم يقرأ الصلاة والسلام على الأنبياء والرسل الذين سبقوا النبي العربي ويخيل إليك وأنت تقرأ ما جاء به القرآن والحديث في هذا الصدد وما سجله المجتهدون المسلمون من بحوث في الإسرائيليات (والنصرانيات) أن هناك رنة أسف يستشعر بها الإسلام نحو الموحدين بالله الذين ضلوا تعاليم موسى وعيسى واستعاضوا عنها بأمور لا يعترف الإسلام بأنها من أصول تلك التعاليم. فهذا الرفق الذي عالج به الإسلام الديانات الأخرى هو من أهم الدوافع لهذا التسامح.
والحديث عن هذا الصراع السلبي بين العقائد الدينية يستدعي الإشارة إلى موقف تلك التعاليم من الحروب. ولقد أساء البعض إلى العقيدة الإسلامية بأنها ترضى عن الحرب وتشترع الجهاد. وقد رد المحدثون من علماء الإسلام العرب على هذا الادعاء ردا معززا بالدساتير القرآنية والأدلة التاريخية، وعالج هذا الموضوع كذلك بعض أئمة المسلمين في الهند والباكستان والعالم العربي معالجة علمية متينة.
ولكن الذي يعنينا من هذه الإشارة أن تشريع الجهاد في الإسلام مقيد بظروف وملابسات لا تختلف مطلقا عن تلك التي شرعتها اليهودية والمسيحية نصا وروحا، وذلك باعتراف التعاليم المسيحية نفسها وعلى ضوء اجتهاد بعض قادة الفكر المسيحي معاصرة وقديمة.