للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قصاصات الورق]

خمسة عشر عاماً بعد فرساي

للأستاذ محمد عبد الله عنان

مازالت الحرب الكبرى توصف بأنها أشنع وأروع مآسي التاريخ، ومازالت مصائبها وعبرها وآثارها المخربة ماثلة في أمم وشعوب كثيرة؛ وكنا إلى أعوام قلائل فقط نسمع أقطاب السياسة الدولية يؤكدون أن الدرس الأليم الذي ألقته الحرب على الدول والأمم العظمى لا يمكن أن يمر دون أن يحدث أثره؛ وأن الشعوب أشد ما يكون اليوم زهداً في خوض الحرب والتعرض لويلاتها المروعة؛ وكنا نشهد ابتهاج الساسة والحكومات كلما عقد ميثاق جديد بعدم الاعتداء بين دولتين أو أكثر، أو حلت مشكلة دولية صغيرة على يد عصبة الأمم بطريق التحكيم والحسنى، أو ظهرت بوادر تفاهم ووئام بين خصوم الأمس؛ كنا نشهد ذلك وأمثاله خلال الأعوام التي تلت الحرب، فيخيل إلينا أن نزعة الحرب والاعتداء قد ضعفت، وأن عقلية الشعوب قد تبدلت، وأن العالم مقبل على عصر جديد، تتبوأ فيه قضية السلام مكانها اللائق، وتغيض فيه الخصومات والأحقاد القومية القديمة، ويسود الوئام والحسنى بين الشعوب.

ولكنا نشهد اليوم منظراً آخر؛ فان الأفق الدولي يفيض بالتشاؤم، وعلائق الدول المختلفة في اضطراب دائم، وعبارات الوعيد والحرب والانتقام تتردد في بعض الدوائر، وأحياناً يلوح بها بعض الساسة المسئولين؛ وهنالك بعض المسائل الخطيرة التي خلفتها الحرب الكبرى مثل مشكلة نزع السلاح، ومسألة السار، ومسائل الحدود والأقليات، ومسألة المستعمران الألمانية وغيرها تزداد اليوم خطورة وتعقيدا، بل إنا لنشهد اليوم انتحار مؤتمر نزع السلاح في جنيف، وهو ذلك المؤتمر الذي علقت عليه قبل بضعة أعوام آمال كبيرة في تخفيض التسليح والتقريب بين الأمم، ونشهد عصبة الأمم تفقد هيبتها الدولية وتنحدر بسرعة إلى زاوية النسيان، وهي الصرح الذي هللت له الأمم يوم إنشائه، وقيل إنه سيكون منارة السلام العالمي والعدالة الدولية، وملاذ الأمم الضعيفة والمظلومة. والخلاصة أن تلك الآمال العريضة التي ساورت العالم حيناً عقب دروس الحرب الأليمة في أن تعتبر الأمم بتلك العبر القاسية وبتلك الضحايا الهائلة، وتغلب الروية والتفاهم في حسم مشاكلها، قد أخذت في

<<  <  ج:
ص:  >  >>