لا فرق مطلقاً بين أن تقرأ توفيق الحكيم وبين أن تقف في متحف للفنون الرفيعة، أو أن تسمع إلى قطعة موسيقية، أو أن تجلس هادئاً ساكناً في مسرح عظيم تشهد مأساة تشجيك أو ملهاة تسليك. . .
تقرأ توفيق الحكيم فتنظر إلى التماثيل الرائعة تتحرك وتتكلم وتنظر وتبتسم وتمتلئ بالحياة وتفيض بالجمال. . . ثم ترى إلى الصورة التي انسجمت ألوانها وأحكمت خطوطها وأبدع فيها توزيع المنظر، وأكسبتها (اللمسات) الأخيرة سر المصور، وجرت في أركانها بعبقريته. . . فإذا أفقت من ذلك سمعت (أزاميل) المثالين ومطارقهم تدق. . . كأنها تشترك في تأليف لحن موسيقي. . . فإذا أدرت عينيك شهدت أبهاء المتحف وردهاته قد امتلأت بالدمى والتماثيل والصور. . .
ومن الظريف اللطيف في متحف توفيق الحكيم أنك ترى به التمثال الكامل والتمثال النصفي. . . كما ترى فيه حطاماً من تماثيل لم ترقه فأهوى عليها بمنحته ومطرقته فجعلها هشيما، ثم عزت عليه فلم يلق بها خارج المتحف، بل تركها فيه. . . لأنها وإن فقدت ذراعاً أو ذراعين، أو نقصت ساق أو ساقين، فأنها تمثل في ذهنه فكرة مقدسة. . . الفكرة التي أوحت إليه (مشروع) التمثال، ولهذا تحتفظ المتاحف بالتماثيل المهشمة!
وقل مثل هذا في صور الرسام الفنان توفيق الحكيم، فإلى جانب الصور الكاملة البارعة، التي أخذت حظها الموفور من حسن التوزيع والعدل بين الألوان، ترى صوراً لم يتقن (طبخ) ألوانها حسب الأصول الفنية، ومع هذا فقد احتفظ بها في المتحف كما احتفظ بتماثيله المهشمة للسبب الذي أسلفنا
أما موسيقى توفيق الحكيم فهي من هذا النوع الصامت الذي يخامر القلب ويجري مع الدم ويرهف الأعصاب. . . وقد تكون موسيقاه (زائطة) أحياناً، وهي لا تكون (زائظة) إلا إذا أفاق من سكرة الأدب والفكر والفن، واستسلم إلى هذا الإله الطفل المعربد (أمور!) أو (كيوبيد) ذي الجناحين والكنانتين، يصيبه منها بسهم ذهبي فيخفق فؤاده بحب إيما؛ يريشه