بسهم (رصاصي!) فيلعن جميع بنات حواء! عند ذلك تأتي موسيقاه (زائطة) أو (نشازاً)، ويكاد الإنسان يفضل عليها موسيقى (المزمار البلدي!)
ترى. . . لو أن الأستاذ الحكيم كان قد فرغ إلى فنون التصوير والنحت والموسيقى كما فرغ اليوم إلى (فن الأدب) فأي ثروة كان يستطيع أن يمد بها هذه الفنون النائمة اليوم في مصر، وأي حياة كان يشيعها فيها؟
لقد نشأ الحكيم ذوقه الأدبي في أبهاء متحف اللوفر بفرنسا، ولا داعي مطلقاً لأن نكتب ما كتبه هو عن ذلك في (زهرة العمر) ذلك المفتاح السحري الذي يسلك بك إلى جنة توفيق الحكيم، وإلى جحيمه أيضاً. . . فاسمع إليه يقول لصديقه أندريه، أو يدعي أنه يقول له، وذلك بعد أن أخبره أنه ذهب إلى اللوفر كعادته، وأنه ينفق اليوم بطوله هناك، وأنه يخصص يوماً كاملاً لكل قاعة من قاعاته، لأنه ليس سائحاً متعجلاً. . . (إني أبحث أمام كل لوحة عن سر اختيار هذه الألوان دون تلك، وعن مواطن برودتها وحرارتها، وعن رسم أشخاصها وبروز أخلاقهم واتساق جموعهم وحركتهم وسكونهم؛ كل لوحة في الحقيقة ليست إلا قصة تمثيلية داخل إطار، لا داخل مسرح، تقوم فيه الألوان مقام الحوار. إني لأكاد أصغي إلى أحاديث الأبطال وهم على الموائد في أفراح (قانا) لوحة (فيرونيز)، وأكاد أسمع ضجيج الحاضرين وصياح الشاربين ورنين الكؤوس وخرير النبيذ يفرغونه من دن إلى دن. إن طريقة إبراز كل هذه الحياة بالريشة لقريب من طريقة إبرازها بالقلم. إن أساس العمل واحد فيهما. . . الملاحظة والإحساس ثم التعبير بالرسم والتلوين، بل إن الروح أحياناً ليتشابه. لطالما وقفت عيناي طويلاً على صفحات ناثر أو شاعر، وأنا كالمأخوذ، أفحص السطور بيدي لأتبين إن كانت من مداد أو من أثير. . .)
وهذا تعبير صادق عن طريقة توفيق الحكيم التي يتناول بها قطعه الأدبية الرفيعة. إنه يصنع بها ما يصنع المثال أو المصور، يتناولها من كل جانب، وينظر إليها من جميع نواحيها، فإذا لم ترقه بعد ذلك كله، سهل عليه أن يمزقها: ففي أكثر من موضع من كتابه يحدثك عن القصص الحوارية التي أتمها ثم لم تعجبه فمزقها. . . كما يحدثك عن هذه الاختبارات التي كان يجريها على بعض تلك القصص، بإعطائها بعض الأدباء الفرنسيين ليروا رأيهم فيها، ومن هؤلاء هذا المسيو (هاب) الذي كان يعذب الحكيم دائماً بهذه القولة: