يخطئ من يظن أن دين الله تعالى زهد محض، وتقشف بحث، ورهبانية لا تعنى بزينة الدنيا وزخرفها، وتصوف مظهره لبس المرقعات، فلو صح ذلك لم يكن دين الله عاماً صالحاً لكل الناس، وملائماً لكل زمان ومكان، بل يكون خاصاً بطائفة من البشر، تؤثر التقشف على التنعم، والزهد في زينة الدنيا على التمتع بها. وليس كذلك دين الله تعالى، لأنه دين عام صالح لكل الناس، وملائم لكل زمان ومكان، ولهذا جعل الزهد في الدنيا وزينتها مباحاً لمن يريده، وأحل التمتع بتلك الزينة لمن يريدها، حتى لا يكون فيه حرج على أحد في هذه الحياة، ولا تضيق به طائفة من طوائف البشر، وتسير الحياة في نظامها الصالح بدون إفراط أو تفريط.
وعلى هذا الأساس جاء القرآن الكريم بالفن الجميل من البناء والنحت والتصوير والغناء وغير ذلك، وذكر الله لنا فيه عهد ازدهار تلك الفنون في بعض ما أنزل من الشرائع، وأقام من الملك، وحكى ذلك في أسلوب يفيض مدحاً وإطراء بما ظهر من آثار تلك الفنون في هذه العهود، ويدل على روعة تلك الآثار وجمالها، وأنها كانت أية في الإبداع، ومعجزة من معجزات الفن الجميل، ومفخرة من المفاخر الباقية الذكر.
وقد ازدهر من ذلك في عهد سليمان عليه السلام فنون كثيرة، فبلغت فيه فنون البناء والنحت والتصوير أوج عظمتها، ووصلت إلى أرقى ما وصلت إليه عند الأمم المتحضرة في العصور القديمة، وقد ظهرت آثارها الرائعة فيما بنى سليمان من المساجد والقصور، وفيما شيد من المدن والحصون، وإلى هذا يشير الله تعالى في قوله:(ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر، وأسلنا له عين القطر، ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب، وقدور راسبات، اعملوا أل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور). ١٢، ١٣ من سورة سبأ.
وكان بيت المقدس أعظم ما تجلت فيه تلك الآثار، وتبارى في زينته أرباب الفنون الجميلة؛