وكان داود عليه السلام قد ابتدأ بناء ذلك البيت لعبادة الله تعالى، ثم مات قبل أن يتم بناءه، فلما ملك سليمان عليه السلام من بعده مضى في إتمام ذلك البيت العظيم، وعمل على أن يكون في عصره آية الآيات، ومعجزة فنون البناء والنحت والتصوير؛ فجمع له أرباب تلك الفنون من سائر الجهات، وخص كل طائفة منهم بالعمل الذي تعرفه، وأحضر الرخام والبلور من أماكنهما، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفائح لتتلاءم مع ذلك البيت الذي يريد تشييده، ويكون واسطة العقد وقلادة الجيد، وقد جعلها أثنى عشر ربضاً، وأنزل في كل ربض سبطاً من أسباط بني إسرائيل، ثم شرع في تشييد ذلك البيت العظيم وأحضر الذهب والفضة والجواهر واليواقيت والدر الصافي والمسك والعنبر والطيب، وأتى من ذلك بشيء كثير لا يحصيه إلا الله تعالى، أتته به أساطيله التي كانت تمخر عباب البحار، وتتنقل فيها شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، ثم أحضر المهرة من الصناع وأمرهم أن ينحتوا تلك الأحجار ويجعلوها ألواحاً، وأن يصلحوا الجواهر ويثقبوا اليواقيت واللآلئ، فبنى ذلك البيت بالرخام الأبيض والأخضر والأصفر، وعمده بأساطين البلور الصافي، وسقفه بأنواع الجواهر الثمينة، وفصص سقوفه وحيطانه باللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر، وبسط أرضه بألواح الفيروزح، فلم يكن على وجه الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك البيت، حتى كان يضئ في الظلمة كالقمر ليلة البدر.
وقد زاد في زينة ذلك البيت ما نقش فيه من الصور الجميلة، وما أقيم فيه من التماثيل البديعة، وكان بعضها مصنوعاً من النحاس وبعضها مصنوعاً من الرخام وبعضها مصنوعا من الزجاج، وكان منها ما يمثل صور الملائكة ومنها ما يمثل صور الأنبياء، ومنها ما يمثل صور الصالحين، ومنها ما يمثل صور السباع والطيور وغيرها. وكان من معجزات تلك التماثيل تمثالا أسدين كانا موضوعين تحت كرسي سليمان عليه السلام، وتمثالا نسرين كانا موضوعين فوقه، فإذا أراد أن يصعد بسط له الأسدان ذراعيهما، وإذا جلس على كرسيه أظله النسران بأجنحتهما.
وإن ننس لا ننس حديث الصرح الذي شيده سليمان لبلقيس ملكة اليمن، وأشار الله تعالى إلى عجيب شأنه في قوله (قيل لها أدخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها، قال إنه صرح ممرد من قوارير، قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان