هاأنذا هارب من الدار، ياتوت، لأبعد عن مواقع خطاك، وأهرب من رؤى مصرعك؛ ولكن كيف أهرب من نفسي؟
الصور، والخيالات، والمشاعر المكنونة، والرؤى الحية. . . أولئك أعدائي. . . وهم معي بين جنبي يا توت - وأنت معنا!
رصاصة صماء، ويد بلا قلب. . . وتنطفئ الشعلة، ويطوي سفر، وينطوي عالم. . . وبأيسر من هذا تتم تلك النقلة التي تدير الرءوس هولاً. والأحياء مع ذلك تعيش، وترجو، وتأمل. . . ألا ما أقسى السخرية البلهاء!
كلب!
ما أيسر ما تلوكها الألسن، وما أهون ما تتلقاها المدارك، وما أقل ما تحفل بها المشاعر! ولكن حين يستحيل هذا اللفظ إلى عشرات من الصور والذكريات، وعشرات من الرؤى والطيوف، وعشرات من الاهتمامات الوجدانية والمشاعر الحية. هنا يستحيل كل حرف فيها وكل صوت من مقاطعها، إلى أفاعي مسمومة تنهش القلب، وتجرح الضمير، وتقتات من دماء الأحياء.
دماء! ويحي! ما الذي دس هذه اللفظة في تعبيري الآن؟ دماؤك أنت - يا توت - تلك التي خضبتك وعقرتك! ويحي! لم أنكأ نفسي هكذا، وأتكئ على جرحي بقسوة؟ إنها صورتك الأخيرة يا توت لا تبرح تواجه خيالي، حين يفري جوانحي ألم ضار مسموم.
لقد تماسكت؛ وقد تماسكت، وحاولت أن أغلف المسألة كلها بغلاف من عدم المبالاة. ولكن حين حملتك - يا توت - بين يدي جثة جريحة دامية، لأواريك المقر في جوف الثري، خذلتني قواي كلها. وبدا لي التماسك سخافة كبرى!
ونمت هناك - يا توت - في مقرك الأبدي الذي سويته لك بيدي الراعشة. . . ولكن أنى لي أن أطيق تلك الصورة الواقعة المستحيلة: إن عيني لن تعود فتراك أبداً. إن أذني لن تعود فتسمعك أبداً. إن هذا الجسد الهامد لن يعود فيتحرك أبداً. . . إن شيئاً مما كان كله لن