للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أثر الفن الإسلامي في فنون الغرب]

للدكتور زكي محمد حسن الأمين العلمي لدار الآثار العربية

ورث الإسلام فنون رومة وبيزنطة وإيران وكلديا وأشور وتأثر المسلمون بالأساليب الفنية في البلاد التي خضعت لهم وانتشر فيها دينهم، فظهر في عالم الوجود فن بل فنون إسلامية أثرت بدورها في فنون الغرب، وتركت فيها ذكريات قل أن تخفى على من لهم دراية بتاريخ الفنون في العالم.

والواقع أن العالم المتمدن في القرون الأولى بعد الميلاد كان قد سئم الفن اليوناني القديم، وتاق إلى نوع التجديد ينقذه من منتجات هذا الفن التي أعوزها التنوع والابتكار، فتطلع إلى تقاليد فنية أعظم أبهة وأكثر حرية في الزخارف والموضوعات لا يعدل فيها من خيال ساحر وجاذبية ومفاجأة عظيمتين إلا ما تمتاز به من أسرار في مزج الألوان تملأ البصر وتبهج الخاطر. تلك الأساليب الفنية المنشودة وجدها العالم المتمدن عند الساسانيين أولا، ثم في الفنون الإسلامية بعد أن امتدت الإمبراطورية العربية واتسعت أرجاؤها. أما حلقتا الاتصال بين الشرق والغرب، والمعبران اللذان اتخذتهما الأساليب الإسلامية للوصول إلى أوربا، فهما الأندلس، والحروب الصليبية.

ففي الأندلس أينعت المدنية الإسلامية، وأدخل العرب صناعة الورق، وأصبحت قرطبة في القرن العاشر أكثر المدن في أوروبا ازدهاراً وأعظمها مدنية؛ وكان عصر ملوك الطوائف باعثاً على تعدد مراكز العلم والأدب والفن في شبه الجزيرة، وجاء ملوك المرابطين والموحدين فكان اضطهادهم للمستعربين من بني الأندلس سببا في هجرتهم إلى الشمال، فزاد بذلك محيط المدنية الإسلامية اتساعا، ونقل هؤلاء المستعربون إلى مهجرهم الجديد كثيرا من عادات المسلمين وأزيائهم وصناعاتهم، وما لبث نجم المسلمين في الأندلس أن أذن بالأفول، فتقدمت فتوحات المسيحيين، وأخذ نفوذ العرب في التقلص، ودخل كثير منهم تحت السلطان المسيحي، فصاروا يعملون للملوك والأمراء الأسبان، وتعلم منهم غيرهم، فانتشرت أساليبهم الفنية؛ وكان سقوط طليطلة سنة ١٠٨٥، وقرطبة سنة ١٢٣٦، وأشبيلية سنة ١٢٤٨، أكبر عامل على امتزاج الصناع العرب أو المستعربين بغيرهم. ثم كان سقوط غرناطة سنة ١٤٩٢ خاتمة هذا الطور الذي تعلم فيه صناع الغرب عن المسلمين كثيراً من

<<  <  ج:
ص:  >  >>