لقيت في ميلان على رصيف المحطة (آدم ريموند) بينما كنت اصعد إلى قطار من تلك القطر التي يتبجح الإيطاليون بتسميتها (البرق). بصور أن هذه القطر لا توصلك في أقل من سبع ساعات إلى بلد لا يستغرق الوصول إليه أكثر من خمس. ماذا، أتتسخط أتتذمر؟؟ إنك إن تفعل يجيبوك بابتسامة رقيقة لا تقاوم (ذلك هو الحظ الإيطالي! أيسخرون من أنفسهم أم يستهزئون بك؟؟ مهما يكن من الأمر فأنت مجبر على أن تغتفر لهذا القطار (البرقي) استراحاته المستمرة على طول الطريق ليتسلم حزم البريد من كل محطة. ومع ذاك ففيم الحنق والإنكار وأنت في رحلة لذيذة إلى (جه ن) لمشاهدة (القصر الأحمر) و (القصر الأبيض)؟ ذلك أني كنت أقصد (جه ن) حين دلفت إلى (آدم ريموند) وكأن قاصدا إليها أيضا فسألني:
- أترغب في مرافقتي يا صديقي؟ فأجبته وأنا أتقدمه في صعود القاطرة (ليس احب إلي من هذا) مع أني لم اكن مخلصا في قولها، لا لأن شخص (ريموند) كان مقيتا إلى، فهو فتى رقيق الحاشية ظريف الطبع، ما أنكرت منذ العشرين عاماً التي مرت على تعارفنا شيئا من علاقتنا الودية معا، رغم اختلافنا في الذوق والمنزع. زد على ذلك أنه حديث بارع ظريف الحوار له من ثروته الفائضة عن حاجاته ما يسمح بالارتحال والسياحة. ولقد ساح فعلا في بلاد كثيرة وشاهد ممالك مختلفة على أنه مهما كان من شأنه فهو (باريسي) وعندما لا يستطيع المرء أن يختلس من شتائه غير عشرين يوما يخصصها للاستحمام في حمامات إيطاليا، يتخوف ويتهرب من كل ملاقاة من شأنها أن تقذفه ثانية إلى (باريسه) المتروكة.
قص علي (رايموند) قصة كانت من التأثير على بحيث أريد أن أقصها بدوري، لأنها تتعلق بسلسلة من (حالات الضمير) وبالرغم مما قاله عنها (باسكال) فإن كل ما في الحياة الإنسانية من خير وجمال إنما يصدر عن هذه (اليقظات الوجدانية) وعما تؤدي إليه من