لعل أعظم الكوارث التي حلت بالعالم العربي منذ مئات السنين هي هذه الكارثة المروعة التي حلت به بإنشاء دولة يهودية في بقعة من صميم كيانه الأساسي فهزته هزا عنيفا وخلفته حائرا مذهولا، ثم ما لبثت الشعوب العربية أن أفاقت على الحقيقة القاسية فكادت تفقد الثقة في نفسها وفي زعامتها بل وفي المثل العليا التي كانت ترسمها وتحيا في ظلها. ولعل هذه الحالة النفسية السيئة التي يكاد يتردى فيها الشعب العربي أمر من الكارثة نفسها وأثكى ولعلها من الأهداف الرئيسية التي استهدفها اليهود وأعدوا لها عدتهم وساروا بها جنبا إلى جنب مع استعداداتهم المادية المباشرة. على أننا بحمد الله ما نزال من المؤمنين بإمكانيات هذه الأمة العظيمة وبطاقتها الكبرى الكامنة فيها بانتظار زوال هذه المحنة التي تجتازها. ولا شك أن الوجوم الذي قابلت به الأمة هذه النهاية المريرة وما يبدو أنه يتلوه من توثب وتحفز دليل على ما تنطوي عليه من مواهب ومزايا، ونذير بثورة فكرية شاملة تتناول الأوضاع الراهنة من أساسها، ولعلها تكون فاتحة عهد جديد في تاريخ هذه الأمة، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
والبحث في هذه الكارثة يدعو المرء إلى تأمل أحوال اليهود وعلاقاتهم بالعالم وسر ما يتمتعون به من نفوذ واسع في معظم أنحاء الكرة الأرضية لا يتفق مع مظاهر ضعفهم وتشردهم في أنحاء المعمورة. وإنك لتلاحظ بدهشة مدى ما يستشعره نحوهم البشر على العموم من بغضاء وكراهية لم تستطع أن تحول بينهم وبين النفوذ الواسع والسيطرة الفعلية. ولقد كانت هذه الظاهرة رفيقة لهم في كافة عصور التاريخ وفي مختلف البلدان والأقطار وفي ظل معظم الأنظمة السياسية، وذلك بفضل ما يملكونه من ثروات واسعة يجمعونها بطرق شتى تمنع سائر البشر من مجاراتهم فيها مثلهم العليا الخلقية والإنسانية والدينية. وهنا يجدر بنا أن نتساءل عن سر سكوت العالم بأسره عن بقاء هذه الثروة الهائلة في أيديهم وخصوصا في العصور التي لم تكن مصادر الثروات فيه بالشيء المستهجن العجيب. . .
ومن الواضح أن معظم سكان الكرة الأرضية يحملون لليهود أمر شعور البغضاء