أكتب هذه الكلمة وأنا مريض في المصيف في (مضايا)، قد هبط معي الضغط، وضعف مني الجسم، وانقطعت عن عمل اليد وعمل الدماغ، ولذلك ما أخللت بعهدي، وكان العهد أن أكتب إلى (الرسالة) مرتين في الشهر. ولكن أخبار مصر، ومن قبلها أخبار إيران، تطرد المرض، وتنهض الجسد، وتهز من الحماسة الجبال، وترقص الحجر، فكيف أنام اليوم واليوم عزت بالإسلام العرب والعجم. واليوم استكمل الشرق يقظته إلا بقايا في عينيه من الكرى وأقسم أن لن ينام، واليوم أحس كل مسلم بأن الأمة التي يكون فيها زعماء الدين أمثال حسن البنا والقاشاني، ومن زعماء الدنيا أشباه نجيب ومصدق. لم تفقد عزتها، بل إن لها من حاضرها أياما غرا محجلات لا يضر من رآها ألا يكون رأى تلك الأيام. لا، لا يضر من حضر الجلاء عن الشام، وإقامة إندونيسيا والباكستان، وشهد ظفر الشعب في طهران أمس وفي مصر اليوم ألا يكون قد حضر القادسية وشهد اليرموك.
لقد تتالت علينا الأفراح، وتتابعت البشائر حتى ما تستطيع أن تحتملها أعصابنا. إننا نعدو عدوا في طريق الظفر لا نقدر أن نقف ساعة لنستريح ونلقتط أنفاسنا. هذا شعب إيران يهب هبة الرجل الواحد، يحمل معه أكفانه ليثبت للدنيا أن الكفن يد المستميت أمضى من المدفع في يد من يحب الحياة ويكره الموت، وأن الرغبة الصادقة في الموت هي أقصر طريق إلى الحياة، وأن الشعب إذا استمات لا تغلبه قوة في الدنيا. وهل يمكن أن يباد الشعب على بكرة أبيه فلا يبقى له أثر؟ هل تستطيع قوى الشر كلها التي حشدها المتمدنون ليقتلوا بها البشر باسم المدنية التي نسبح جهلا بحمدها، ونموت في عشقها، أن تهلك أربعمائة مليون ضفدع لو هاجمت بلداً من أقطاره الأربعة؟ فكيف لو هبت أربعمئة مليون إنسان، يستجيبون لصوت إيمانهم، ويغضبون لماضيهم، ويعملون لمستقبلهم؟ إن القطة إن غضبت لأولادها، كشرت عن أنيابها، وأبدت عن مخالبها، وهجمت على الذئب، فكيف إن غضب شعب كشعب إيران؟ وكيف إن كان يقوده شيخ له عزة العلم، وله قوة اليقين، كالقاشاني، ينفخ فيه من روح الدين ما يثبت للعالم أن قوة الإيمان هي أقوى القوى، وأن العدو لم يصنع بنا شيئاً أضر علينا من صرفنا عن ديننا، وتعطيل هذا السلاح الماضي