للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي وضعه الله في أدينا!

ثم جاءت أخبار مصر. مصر الدينة الصينة التي طالما احتملت الفسوق والعصيان. . . وسكنت ترجو أن ينيب الفاسق، ويتوب العاصي. . مصر العزيزة الحرة التي صبرت على الطغيان والاستبداد. . مصر التي بذلت في حرب فلسطين ما لم تبذله دولة عربة، ثم ضربها في ظهرها من كبار أبنائها من كان شرا عليها وعلى جيشها من أعداء الله والإنسانية: اليهود. مصر التي طالما زرتها وأقمت فيها الشهور الطوال فكنت أشم روائح الفساد كلما خرجت من إدارة الرسالة مررت بالميدان الكبير. وانتشرت هذه الروائح حتى عمت مصر، ثم وصلت إلى أوربا. . وشمها أصحاب الجرائد هناك بأنوفهم الحساسة فنشروها في كل مكان حتى بلغت الشام ودخلت كل بيت؛ لذلك كانت أخبار الانقلاب الأولى فرحة في كل بيت. . يتباشر بها الناس. ويفتحون الراديو ليسمعوها، وأزهد الناس بسماع الأخبار صار يعانق الراد في داره ليسمع إذاعة مصر وغير مصر. . فلما أذيع أن الفاروق (الذي كان يوما الملك الصالح) قد أخرج من مصر لم يعد يستطيع الناس أن يضبطوا من الفرح أعصابهم. ووالله ثم الله الذي لا يحلف به كذباً إلا فاجر، لو أعطيت مائة ليرة ما فرحت بها مثل فرحي بهذا الخبر. ولولا أني مريض. . وأن ذهني مكدود. . . لحييت هذا اليوم العظيم التحية التي تليق به. . . ولسقت له كلاما غير هذا الكلام: كلاما تثب له القلوب، وتحمى منه أقحاف الرؤوس، وترقص له من الحماسة الأعصاب، وتغلي الدماء، ولكني إن عجزت اليوم عن نظم هذا الكلام. . فلقد قال هذا البطل بفعاله أكثر منه؛ وهو صامت متواضع لم يفخر ولم يتحمس. فيا أيها الرجل العظيم حقا؛ لك شكر العروبة. لك شكر الوطن. لك شكر الإسلام.

يا محمد نجيب، لقد نقش اسمك على محاريب القلوب مع أسماء أبطال التاريخ.

وبعد فهذه عاقبة الفسق والفجور، واستغلال أموال الأمة وسلطانها في إرضاء الشيطان وإرواء الشهوات؛ فاعتبروا يا من لم تصل إليهم النوبة بعد فإنها ستنوبكم. إن الله يمهل ولا يهمل. وينسي ولا ينسى. وليعتبر الذين أنبت الله لهم من التراب ذهباً، وأنبع لهم من الرمال دولارات؛ فتركوا قومهم جياعا حفاة وأنفقوها على الفسوق والشهوات حتى ضجت من عجبها من فجورهم باريس مدينة الفجور.

<<  <  ج:
ص:  >  >>