تناظر في هذا الموضوع أربعة من أقطاب الفكر يوم الثلاثاء الأسبق بالجامعة الشعبية، واحتشد لسماعهم بضعة آلاف من الناس كانوا يشتركون في المناظرة بقلوبهم وعواطفهم، إذ الموضوع موضوعهم، ثم هو موضوع الساعة! وقد انعقد إجماعهم - أو كاد - على الموافقة على الرأي القائل بأن تكون الدولة جمهورية، ولهذا فقد كان صاحب الرأي الذي يرى أن تكون الدولة ملكية ضعيفا حرجا، فالجمهورية يعارضه في كل قول، ويثور عليه في كل رأي، وهو لا يتزحزح عن موقفه حتى انتهى كلامه وهو يصيح في الحاضرين (لكم دينكم ولي دين).
وكان الوقت المقسوم لكل من الأربعة المتناظرين نصف ساعة، فالتزموه ولم يعده واحد منهم، وعقب عليهم الدكتور منصور فهمي - ولم يكن له وقت مقسوم - فاستغرق في تعقيبه ساعة وشارك الكثيرون في مناقشة الموضوع، واشتد بالجمهور الحماس، وانهالت الأسئلة من كل صوب على المتناظرين، ولم تنته المناظرة إلا بعد أربع ساعات وكان المحدود لها ساعة ونصف ساعة فقط! وكان سيرها على الوجه الآتي:
نهض الأستاذ محمد على علوية فقال:
لأول مرة نستطيع أن نجتمع لنناقش مثل هذا الموضوع الخطير الذي لم نكن نستطيع أن نمسه - ولو من بعيد - في العهود الماضية، ودلكم هو شعار عهدنا الحاضر، الدولة دولة الجميع، والوطن وطن الجميع، ليس لواحد فيه أكثر مما لأخيه، فلكل أن يبدي رأيه في نظامه ودستوره وقوانينه التي سيؤخذ بها جميع المواطنين على السواء.
ولو ذكرتم التاريخ القديم للإنسانية لوجدتم أن نظم الحكم فيها كانت نظماً أوتوقراطية مسرفة، حيث كان يحكم الشعب فرد واحد لا رأي إلا رأيه ولا هو إلا هواه والشعب قطيع لا يملك من أمر نفسه شيئاً!.
واستمرت الشعوب على هذه الحال أزمانا طويلة، ثم بدأ الوعي يتسرب إليها رويدا رويدا، وأخذت تنفض عن عيونها غبار هذا السبات الطويل، واشتد بها الوعي والإدراك، فطالبت بأن يكون إليها حكم نفسها، وأن تكون - دون سواها - مصدر كل السلطات.