وصوت الشعوب قوي غلاب، لا تثبت أمامه قوة فرد وإن يكن من الجبابرة المردة، فتحقق لها ما طلبت، وصارت الأمم في كل بقاع الأرض - إلا النادر القليل - مصدرا لكل أنواع السلطات في أرضها، وصاحبة الكلمة العليا في تصريف أمور بلادها، ونشأت هذه الكلمة السحرية، وسرت في العالم، وأعني بها كلمة (الديمقراطية) ونتج عنها نظام (الملكية الديمقراطية) ونظام (الجمهورية الديمقراطية) وكلا النظامين. . . كما يبدو من اسمهما. . . مقرون بصفة الديمقراطية ومقيد بها، لتضمن الشعوب بذلك أن تظل صاحبة السلطان.
ولو رجعنا - في مصر - إلى المائة سنة التي مضت فماذا نحن واجدون؟.
نجد أن الحكم كان عندنا إما أوتوقراطياً سافراً أو أوتوقراطياً يسنده شيء اسمه الدستور! نجد أن (عرابي) يطلب إلى (توفيق) - في تواضع - العدل ويطلب إليه البرلمان، فيجيبه هذا الحاكم لمطلق بقولته المشهورة:(كيف تجرءون على هذا وأنتم عبيد إحساناتنا؟). ونجد أن الجيش يطلب إلى (إسماعيل) ألا يستأثر الجنود الأجانب بالمناصب الكبيرة في جيش البلاد وأن يشترك معهم الجنود المصريون فيها، فيأبى عليهم إسماعيل ذلك؛ بل وينزل بهؤلاء المطالبين العقاب الأليم. ونجد هذه الوحشية التي كانوا يسمونها (الالتزامات) ومعناها أن تباع القرى برمتها إلى (ملتزم) نظير مبلغ معين، ثم إذا بهذا (الملتزم) يلهب ظهور أهل القرية بالكرباج ليجمعوا له المال الذي يدفع منه نصيب الحاكم في هذا (الالتزام). هذه نماذج مما نجده في حكم الفرد منذ مائة سنة، أما عهد فاروق فأراني في غير حاجة إلى بسط القول فيه وهو مازال مائلا لأعينكم، ومن عجب أنه كانت تسنده طول مدة حكمه برلمانات لا أدري أهي حقاً برلمانات أم شركات؟.
أريد أن يستقر في أذهاننا جميعا أن صلاحنا لا يكون بصلاح فرد وإنما يكون بصلاح المجموع، وأن يستقر في أذهاننا أننا كنا دائما في خلال هذه السنوات المائة شركاء في المسؤولية، وأن هذه السنين كانت وبالا مستمرا وفسادا دائما لهذه الأمة. إن الدين الإسلامي يا حضرات السادة - لا يعرف الملكية، ويكفي دليلاً على ذلك أن محمدا سيد الخلق لم يعين أحداً بعده، وأن خلافة أبي بكر بعده إنما كانت بالبيعة وهي انتخاب، وكذلك كانت خلافة عمر وعثمان إلى أن صار ملكا عضويا فضاعت هيبة المسلمين. . . إن الدين الإسلامي يقرر أن الأمر شورى بين الناس ولذلك لا أستطيع أن أنصح إلا بالجمهورية.